للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَإِنَّمَا المُرَاد أكل ثمنه، كَمَا رَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) من حَدِيث جَابر عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه نهى عَن ثمن الْكَلْب وَقَالَ: طعمة جَاهِلِيَّة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (نهى عَن ثمن الْكَلْب) وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يتَنَاوَل جَمِيع أَنْوَاع الْكلاب، وَيَأْتِي الْكَلَام فِيهِ عَن قريب. قَوْله: (وَمهر الْبَغي) وَفِي حَدِيث عَليّ: وَأجر الْبَغي، وَجَاء: وَكسب الْأمة هُوَ مهر الْبَغي لَا الْكسْب الَّذِي تكتسبه بالصنعة وَالْعَمَل، وَإِطْلَاق الْمهْر فِيهِ مجَاز، وَالْمرَاد مَا تَأْخُذهُ على زنَاهَا، وَالْبَغي، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء، وَقَالَ ابْن التِّين: نقل عَن أبي الْحسن أَنه قَالَ بِإِسْكَان الْغَيْن وَتَخْفِيف الْيَاء، وَهُوَ الزِّنَا، وَكَذَلِكَ الْبغاء بِكَسْر الْبَاء ممدودا، قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَا تكْرهُوا فَتَيَاتكُم على الْبغاء} (النُّور: ٣٣) . يُقَال: بَغت الْمَرْأَة تبغي بغاء، وَالْبَغي يَجِيء بِمَعْنى الطّلب، يُقَال: أبغني، أَي: اطلب لي، قَالَ الله تَعَالَى: {يبغونكم الْفِتْنَة} (التَّوْبَة: ٧٤) . قَالَ الْخطابِيّ: وَأكْثر مَا يَأْتِي ذَلِك فِي الشَّرّ، وَمِنْه الفئة الباغية من الْبَغي وَهُوَ الظُّلم وَأَصله الْحَسَد، وَالْبَغي الْفساد أَيْضا والاستطالة وَالْكبر، وَالْبَغي فِي الحَدِيث: الْفَاجِرَة، وَأَصله بغوي على وزن: فعول، بِمَعْنى فاعلة، اجْتمعت الْوَاو وَالْيَاء وسبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ فقلبت الْوَاو يَاء وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء فَصَارَ: بغي، بِضَم الْغَيْن، فأبدلت الضمة كسرة لأجل الْيَاء، وَهُوَ صفة لمؤنث، فَلذَلِك جَاءَ بِغَيْر هَاء كَمَا يَجِيء إِذا كَانَت بِمَعْنى مفعول نَحْو: ركُوب وحلوب وَلَا يجوز أَن يكون بغي هُنَا على وزن: فعيل، إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك للزمته الْهَاء كامرأة حليمة وكريمة، وَيجمع الْبَغي على: بَغَايَا. قَوْله: (وحلوان الكاهن) ، الحلوان، بِضَم الْحَاء: الرِّشْوَة، وَهُوَ مَا يعْطى الكاهن وَيجْعَل لَهُ على كهانته، تَقول مِنْهُ: حلوت الرجل حلوانا إِذا حبوته بِشَيْء، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: قَالَ بَعضهم: أَصله من الْحَلَاوَة، شبه بالشَّيْء الحلو، يُقَال: حلوته إِذا أطعمته الحلو كَمَا يُقَال عسلته اذا اطعمته الْعَسَل. وَقَالَ أَبُو عبيد: والحلوان أَيْضا فِي غير هَذَا أَن يَأْخُذ الرجل من مهر ابْنَته لنَفسِهِ، وَهُوَ عيب عِنْد النِّسَاء، وَقَالَت امْرَأَة تمدح زَوجهَا:

لَا تَأْخُذ الحلوان من بناتها

وَفِي (شرح الْمُوَطَّأ) لِابْنِ زرقون: وأصل الحلوان فِي اللُّغَة الْعَطِيَّة، قَالَ الشَّاعِر:

(فَمن رجل أحلوه رحلي وناقتييبلِّغ عني الشّعْر إِذْ مَاتَ قَائِله)

وَقَالَ الْجَوْهَرِي: حلوت فلَانا على كَذَا مَالا وَأَنا أحلوه حلوا وحلوانا: إِذا وهبت لَهُ شَيْئا على شَيْء يَفْعَله لَك غير الْأُجْرَة، والحلوان أَيْضا أَن يَأْخُذ الرجل من مهر ابْنَته لنَفسِهِ شَيْئا كَمَا ذكرنَا. والكاهن الَّذِي يخبر بِالْغَيْبِ الْمُسْتَقْبل، والعراف الَّذِي يخبر بِمَا أُخْفِي، وَقد حصل فِي الْوُجُود، وَيجمع الكاهن على: كهنة وكهان، يُقَال: كهن يكهن كهَانَة، مثل: كتب يكْتب كِتَابَة، إِذا تكهن فَإِذا أردْت أَنه صَار كَاهِنًا قلت: كهن بِالضَّمِّ كهَانَة، بِالْفَتْح. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الكاهن الَّذِي يتعاطى الْخَبَر عَن الكائنات فِي مُسْتَقْبل الزَّمَان، ويدَّعي معرفَة الْأَسْرَار، وَقد كَانَ فِي الْعَرَب كهنة: كشق وسطيح وَغَيرهمَا، فَمنهمْ من كَانَ يزْعم أَن لَهُ تَابعا من الْجِنّ ورئيا يلقِي إِلَيْهِ الْأَخْبَار، وَمِنْهُم من كَانَ يزْعم أَنه يعرف الْأُمُور بمقدمات أَسبَاب يسْتَدلّ بهَا على مواقعها من كَلَام من يسْأَله أَو فعله أَو حَاله، وَهَذَا يخصونه باسم العراف، كَالَّذي يدعى معرفَة الشَّيْء الْمَسْرُوق وَمَكَان الضَّالة وَنَحْوهمَا.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ ثَلَاثَة أَحْكَام:

الأول: ثمن الْكَلْب، احْتج بِهِ جمَاعَة على أَنه لَا يجوز بيع الْكَلْب مُطلقًا، الْمعلم وَغَيره، وَمِمَّا يجوز اقتناؤه أَو لَا يجوز، وَأَنه لَا ثمن لَهُ، وَإِلَيْهِ ذهب الْحسن وَمُحَمّد بن سيريين وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى وَالْحكم وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَرَبِيعَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَابْن الْمُنْذر، وَأهل الظَّاهِر، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك، وَقَالَ ابْن قدامَة: لَا يخْتَلف الْمَذْهَب فِي أَن بيع الْكَلْب بَاطِل على كل حَال. وَكره أَبُو هُرَيْرَة ثمن الْكَلْب، وَرخّص فِي ثمن كلب الصَّيْد خَاصَّة جَابر، وَبِه قَالَ عَطاء وَالنَّخَعِيّ.

وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك، فَمنهمْ من قَالَ: لَا يجوز، وَمِنْهُم من قَالَ: الْكَلْب الْمَأْذُون فِي إِمْسَاكه يكره بَيْعه وَيصِح، وَلَا تجوز إِجَارَته، نَص عَلَيْهِ أَحْمد، وَهَذَا قَول بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي، وَقَالَ بَعضهم: يجوز، وَقَالَ مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) : أكره ثمن الْكَلْب الضاري وَغير الضاري لنَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ثمن الْكَلْب، وَفِي (شرح الْمُوَطَّأ) لِابْنِ زرقون: وَاخْتلف قَول مَالك فِي ثمن الْكَلْب الْمُبَاح اتِّخَاذه، فَأَجَازَهُ مرّة وَمنعه أُخْرَى، وبإجازته قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>