للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من غَيره، وَكَيف يَقُول: لِأَن تعلمه لَيْسَ بِفَرْض فَكيف تَعْلِيمه؟ فَإِذا لم يكن تَعْلِيمه وتعلمه فرضا فَلَا يفْرض قِرَاءَة الْقُرْآن فِي الصَّلَاة. وَقد أَمر الله تَعَالَى بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا بقوله: (فاقرأوا) فَإِذا أسلم أحد من أهل الْحَرْب أَفلا يفْرض عَلَيْهِ أَن يعلم مِقْدَار مَا تجوز بِهِ صلَاته؟ وَإِذا لم يجد إلَاّ أحدا مِمَّن يقْرَأ الْقُرْآن كُله أَو بعضه، أَفلا يجب عَلَيْهِ أَن يُعلمهُ مِقْدَار مَا تجوز بِهِ الصَّلَاة؟ وَقَوله: وَإِنَّمَا الْفَرْض الْمعِين مِنْهُ مَا تقوم بِهِ الصَّلَاة، يدل على أَن تعلمه فرض عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يقدر على هَذَا الْمِقْدَار إلَاّ بالتعليم، إِذْ لَا يقدر عَلَيْهِ من ذَاته، فَإِذا كَانَ مَا تقوم بِهِ الصَّلَاة من الْقِرَاءَة فرضا عَلَيْهِ يكون تعلمه هَذَا الْمِقْدَار فرضا عَلَيْهِ، لِأَن مَا يقوم بِهِ الْفَرْض فرض، والتعلم لَا يحصل إلَاّ بالتعليم، فَيكون فرضا على كل حَال، سَوَاء كَانَ على التَّعْيِين أَو على الْكِفَايَة، وَكَيف لَا يكون فرضا وَقد أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالتبليغ من الله تَعَالَى؟ وَلَو كَانَ آيَة من الْقُرْآن؟ وَأوجب التَّبْلِيغ عَلَيْهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بلغُوا عني وَلَو آيَة من كتاب الله تَعَالَى.

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ لَا يَشْتَرِطُ المُعَلِّمُ إلَاّ أنْ يُعُطى شَيْئا فلْيَقْبَلْهُ

الشّعبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل، وَوصل تَعْلِيقه ابْن أبي شيبَة عَن مَرْوَان بن مُعَاوِيَة عَن عُثْمَان بن الْحَارِث، قَالَ: حَدثنَا وَكِيع حَدثنَا سُفْيَان عَن أَيُّوب بن عَائِذ الطَّائِي عَنهُ، وَقَول الشّعبِيّ هَذَا يدل على أَن أَخذ الْأجر بالاشتراط لَا يجوز فَإِن اعطى من غير شَرط فَإِنَّهُ يجوز أَخذه لِأَنَّهُ إمَّا هبة أَو صَدَقَة، وَلَيْسَ بِأُجْرَة، وأصحابنا الْحَنَفِيَّة قَائِلُونَ بِهَذَا أَيْضا. قَوْله: (إِلَّا أَن يعْطى) ، الِاسْتِثْنَاء فِيهِ مُنْقَطع، مَعْنَاهُ: لَكِن الْإِعْطَاء بِدُونِ الِاشْتِرَاط جَائِز فيقبله، ويروى: إِن، بِكَسْر الْهمزَة أَي: لَكِن إِن يعْطى شَيْئا بِدُونِ الشَّرْط فليقبله، وَإِنَّمَا كتب يعْطى، بِالْألف على قِرَاءَة الْكسَائي: {من يتقِ ويصبر} أَو الْألف حصلت من إشباع الفتحة.

وَقَالَ الحَكَمُ لَمْ أسْمَعْ أحدا كَرِهَ أجْرَ المُعَلِّمِ

الحكم، بِفَتْح الْحَاء وَالْكَاف: ابْن عتيبة، وَوصل تَعْلِيقه الْبَغَوِيّ فِي (الجعديات) : حَدثنَا عَليّ بن الْجَعْد عَن شُعْبَة سَأَلت مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن أجر الْمعلم، فَقَالَ: أرى لَهُ أجرا، قَالَ: وَسَأَلت الحكم، فَقَالَ: مَا سَمِعت فَقِيها يكرههُ. انْتهى. قلت: نفي الحكم سَمَاعه من أَخذ كَرَاهَة أجر الْمعلم لَا يسْتَلْزم النَّفْي عَن الْكل، لِأَن النبيي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كره لعبادة بن الصَّامِت حِين أهْدى لَهُ من كَانَ يُعلمهُ قوسا ... الحَدِيث، وَقد مر عَن قريب، وَقَالَ عبد الله بن شَقِيق: يكره أرش الْمعلم، فَإِن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا يكرهونه ويرونه شَدِيدا، وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: كَانُوا يكْرهُونَ أَن يَأْخُذُوا على الغلمان فِي الْكتاب أجرا، وَذهب الزُّهْرِيّ وَإِسْحَاق إِلَى: أَنه لَا يجوز أَخذ الْأجر عَلَيْهِ.

وأعْطَى الحَسَنُ دَراهِمَ عَشْرَةً

أَي: أعْطى الْحسن الْبَصْرِيّ عشرَة دَرَاهِم أجر الْمعلم، وَوصل تَعْلِيقه مُحَمَّد بن سعد فِي (الطَّبَقَات) من طَرِيق يحيى بن سعيد بن أبي الْحسن، قَالَ: لما حذقت قلت لِعَمِّي: يَا عماه! إِن الْمعلم يُرِيد شَيْئا. قَالَ: مَا كَانُوا يَأْخُذُونَ شَيْئا. ثمَّ قَالَ: أعْطه خَمْسَة دَرَاهِم، فَلم أزل بِهِ حَتَّى قَالَ: أَعْطوهُ عشرَة دَرَاهِم، ورورى ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا حَفْص عَن أَشْعَث عَن الْحسن أَنه قَالَ: لَا بَأْس أَن يَأْخُذ على الْكِتَابَة أجرا، وَكره الشَّرْط. انْتهى، وَالْكِتَابَة غير التَّعْلِيم.

ولَمْ يَرَ ابنَ سِيرينَ بأجْرِ الْقَسَّامِ بَأْسا. وَقَالَ كانَ يُقالُ السُّحْتُ الرِّشْوَةُ فِي الحُكْمِ وكانُوا يُعْطَوْنَ عَلى الخَرْصِ

قيل: وَجه ذكر القسام والخارص فِي هَذَا الْبَاب الِاشْتِرَاك فِي أَن جنسهما وجنس تَعْلِيم الْقُرْآن والرقية وَاحِد. انْتهى. قلت: هَذَا وَجه فِيهِ تعسف، وَيُمكن أَن يُقَال: وَقع هَذَا اسْتِطْرَادًا لَا قصدا، وَابْن سِيرِين هُوَ مُحَمَّد بن سِيرِين، والقسام، بِالْفَتْح وَالتَّشْدِيد، مُبَالغَة قَاسم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: القسام جمع الْقَاسِم، فعلى قَوْله: الْقَاف مَضْمُومَة. قلت: السُّحت، بِضَم السِّين وَسُكُون

<<  <  ج: ص:  >  >>