للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٧٤ - (كِتابُ الشَّرِكَةِ)

أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الشّركَة، هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَابْن شبويه، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: بَاب الشّركَة، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: فِي الشّركَة، بِدُونِ لفظ: كتاب، وَلَا لفظ: بَاب، وَالشَّرِكَة، بِفَتْح الشين وَكسر الرَّاء، وَكسر الشين وَإِسْكَان الرَّاء، وَفتح الشين وَإِسْكَان الرَّاء. وَفِيه لُغَة رَابِعَة: شرك، بِغَيْر تَاء التَّأْنِيث. قَالَ تَعَالَى: {وَمَا لَهُم فِيهَا من شرك} (سبأ: ٢٢) . أَي: من نصيب، وَجمع الشّركَة: شرك، بِفَتْح الرَّاء وَكسر الشين، يُقَال: شركته فِي الْأَمر أشركه شركَة، وَالِاسْم الشّرك وَهُوَ: النَّصِيب. قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من أعتق شركا لَهُ) ، أَي: نَصِيبا وَشريك الرجل ومشاركه سَوَاء، وَهِي فِي اللُّغَة الِاخْتِلَاط على الشُّيُوع أَو على الْمُجَاورَة، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِن كثيرا من الخلطاء ليبغي} (ص: ٤٢) وَفِي الشَّرْع ثُبُوت الْحق لاثْنَيْنِ فَصَاعِدا فِي الشَّيْء الْوَاحِد كَيفَ كَانَ.

ثمَّ هِيَ تَارَة تحصل بالخلط، وَتارَة بالشيوع الْحكمِي كَالْإِرْثِ، وَقَالَ أَصْحَابنَا: الشّركَة فِي الشَّرْع عبارَة عَن العقد على الِاشْتِرَاك واختلاط النَّصِيبَيْنِ، وَهِي على نَوْعَيْنِ: شركَة الْملك، وَهِي أَن يملك إثنان عينا أَو إِرْثا أَو شِرَاء أَو هبة أَو ملكا بِالِاسْتِيلَاءِ، أَو اخْتَلَط مَالهمَا بِغَيْر صنع أَو خلطاه، خلطاً بِحَيْثُ يعسر التَّمْيِيز أَو يتَعَذَّر، فَكل هَذَا شركَة ملك وكل وَاحِد مِنْهُمَا: أَجْنَبِي فِي قسط صَاحبه. وَالنَّوْع الثَّانِي: شركَة العقد، وَهِي أَن يَقُول أَحدهمَا: شاركتك فِي كَذَا، وَيقبل الآخر، وَهِي على أَرْبَعَة أَنْوَاع: مُفَاوَضَة، وعنان، وَتقبل، وَشركَة وُجُوه، وبيانها فِي الْفُرُوع.

١ - (بابُ الشَّرِكَةِ فِي الطَّعامِ والنِّهْدِ والْعُرُوضِ وكَيْفَ قِسْمَةُ مَا يُكَالُ ويوزَنُ مُجَازَفَةً أوْ قَبْضَةً قَبْضَةً لما لَمْ يَرَ الْمُسْلِمُونَ فِي النِّهْدِ بَأْساً أنْ يِأْكُلَ هَذا بَعْضاً وهذَا بعْضاً وكَذَلِكَ مُجَازَفَةُ الذَّهَبِ والفضَّةِ والقِرَانِ فِي التَّمْرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الشّركَة فِي الطَّعَام، وَقد عقد لهَذَا بَاب مُفردا مُسْتقِلّا يَأْتِي بعد أَبْوَاب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (والنهد) ، بِفَتْح النُّون وَكسرهَا وَسُكُون الْهَاء وبدال مُهْملَة، قَالَ الْأَزْهَرِي فِي (التَّهْذِيب) : النهد إِخْرَاج الْقَوْم نفقاتهم على قدر عدد الرّفْقَة، يُقَال: تناهدوا، وَقد ناهد بَعضهم بَعْضًا. وَفِي (الْمُحكم) : النهد العون، وَطرح نهده مَعَ الْقَوْم أعانهم وخارجهم، وَقد تناهدوا أَي: تخارجوا، يكون ذَلِك فِي الطَّعَام وَالشرَاب، وَقيل: النهد إِخْرَاج الرفقاء النَّفَقَة فِي السّفر وخلطها، وَيُسمى بالمخارجة، وَذَلِكَ جَائِز فِي جنس وَاحِد وَفِي الْأَجْنَاس، وَإِن تفاوتوا فِي الْأكل، وَلَيْسَ هَذَا من الرِّبَا فِي شَيْء، وَإِنَّمَا هُوَ من بَاب الْإِبَاحَة، وَقَالَ ثَعْلَب: هُوَ النهد، بِالْكَسْرِ، قَالَ: وَالْعرب تَقول: هَات نهدك، مَكْسُورَة النُّون. وَحكى عَن عَمْرو بن عبيد عَن الْحسن أَنه قَالَ: أخرجُوا نهدكم فَإِنَّهُ أعظم للبركة وأحس لأخلاقكم وَأطيب لنفوسكن. وَفِي (الْمطَالع) : أَن الْقَابِسِيّ فسره بِطَعَام الصُّلْح بَين الْقَبَائِل، وَعَن قَتَادَة: مَا أفلس المتلازمان يَعْنِي: المتناهدان، وَذكر مُحَمَّد بن عبد الْملك التاريخي فِي كتاب (النهد) : عَن الْمَدَائِنِي وَابْن الْكَلْبِيّ وَغَيرهمَا: أَن أول من وضع النهد الحضين بن الْمُنْذر الرقاشِي. قلت: الحضين، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره نون: ابْن الْمُنْذر بن الْحَارِث بن وَعلة بن مجَالد بن يثربي بن رَيَّان بن الْحَارِث بن مَالك بن شَيبَان بن ذهل، أحد بني رقاش، شَاعِر فَارسي يكنى أَبَا ساسان، روى عَن عُثْمَان وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وروى عَنهُ الْحسن الْبَصْرِيّ وَعبد الله بن الداناج وَعلي بن سُوَيْد وَابْنه يحيى بن حضين، وَكَانَ أَسِيرًا عِنْد بني أُميَّة فَقتله أَبُو مُسلم الْخُرَاسَانِي. قَوْله: (وَالْعرُوض) ، بِضَم الْعين: جمع عرض بِسُكُون الرَّاء وَهُوَ الْمَتَاع، ويقابل النَّقْد، وَأَرَادَ بِهِ: الشّركَة فِي الْعرُوض، وَفِيه خلاف. فَقَالَ أَصْحَابنَا: لَا يَصح شركَة مُفَاوَضَة وَلَا شركَة عنان إلَاّ بالنقدين وهما: الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير والتبر. وَقَالَ مَالك: يجوز فِي الْعرُوض إِذا اتَّحد الْجِنْس، وَعند بعض الشَّافِعِيَّة: يجوز إِذا كَانَ عرضا مثلِيا. وَقَالَ مُحَمَّد: يَصح أَيْضا بالفلوس الرائجة. لِأَنَّهَا برواجها يأحذ حكم النَّقْدَيْنِ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف: لَا يَصح، لِأَن رواجها عَارض. قَوْله: (وَكَيف قسْمَة مَا يُكَال) أَي: وَفِي بَيَان قسْمَة مَا يدْخل تَحت الْكَيْل وَالْوَزْن، هَل يجوز مجازفة أَو يجوز قَبْضَة قَبْضَة، يَعْنِي: مُتَسَاوِيَة، وَقيل: المُرَاد بهَا مجازفة الذَّهَب بِالْفِضَّةِ وَالْعَكْس، لجَوَاز

<<  <  ج: ص:  >  >>