للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على منبرنا هَذَا يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (سووا بَين أَوْلَادكُم فِي الْعَطِيَّة كَمَا تحبون أَن يسووا بَيْنكُم فِي الْبر) .

وهَلْ لِلْوالِدِ أنْ يَرْجِعَ فِي عَطِيَّتِهِ وَمَا يأْكُلُ مِنْ مالِ ولدِهِ بالْمَعْرُوفِ وَلَا يتَعَدَّى

هَذَا الَّذِي ذكره مَسْأَلَتَانِ: الأول: أَن الْأَب إِذا وهب لِابْنِهِ، هَل لَهُ أَن يرجع؟ فِيهِ خلاف، فَعِنْدَ طَاوُوس وَعِكْرِمَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق: لَيْسَ للْوَاهِب أَن يرجع فِيمَا وهب، إلَاّ الَّذِي ينحله الْأَب لِابْنِهِ، وَغير الْأَب من الْأُصُول كَالْأَبِ، عِنْد الشَّافِعِي فِي الْأَصَح. وَفِي (التَّوْضِيح) : لَا رُجُوع فِي الْهِبَة إلَاّ لِلْأُصُولِ، أَبَا كَانَ أَو أما أَو جدا، وَلَيْسَ لغير الْأَب الرُّجُوع عِنْد مَالك وَأكْثر أهل الْمَدِينَة، إلَاّ أَن عِنْدهم أَن الْأُم لَهَا الرُّجُوع أَيْضا مِمَّا وهبت لولدها إِذا كَانَ أَبوهُ حَيا، هَذَا هُوَ الْأَشْهر عِنْد مَالك، وَرُوِيَ عَنهُ الْمَنْع، وَلَا يجوز عِنْد أهل الْمَدِينَة أَن ترجع الْأُم مَا وهبت ليتيم من وَلَدهَا، كَمَا لَا يجوز الرُّجُوع فِي الْعتْق وَالْوَقْف وأشباهه. انْتهى. وَعند أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة: لَا رُجُوع فِيمَا يَهبهُ لكل ذِي رحم محرم بِالنّسَبِ، كالابن وَالْأَخ وَالْأُخْت وَالْعم والعمة. وكل من لَو كَانَ امْرَأَة لَا يحل لَهُ أَن يَتَزَوَّجهَا، وَبِه قَالَ طَاوُوس وَالْحسن وَأحمد وَأَبُو ثَوْر.

الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة: أكل الْوَلَد من مَال الْوَلَد بِالْمَعْرُوفِ يجوز. وروى الْحَاكِم مَرْفُوعا من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: أَن أطيب مَا أكل الرجل من كَسبه، وَأَن وَلَده من كَسبه، فَكُلُوا من مَال أَوْلَادكُم، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَقَالَ: حَدِيث حسن، وَعند أبي حنيفَة: يجوز للْأَب الْفَقِير أَن يَبِيع عَرَضَ ابْنه الْغَائِب لأجل النَّفَقَة، لِأَن لَهُ تملك مَال الابْن عِنْد الْحَاجة، وَلَا يَصح بيع عقاره لأجل النَّفَقَة. وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: لَا يجوز فيهمَا، وَأَجْمعُوا أَن الْأُم لَا تبيع مَال وَلَدهَا الصَّغِير وَالْكَبِير، كَذَا فِي (شرح الطَّحَاوِيّ) .

واشْتَرَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ عُمَرَ بَعِيراً ثُمَّ أعْطَاهُ ابنَ عُمَرَ وَقَالَ اصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ

هَذَا قِطْعَة من حَدِيث مضى فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب إِذا اشْترى شَيْئا فوهب من سَاعَته، فأرجع فراجع إِلَيْهِ تقف عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن بطال: مُنَاسبَة حَدِيث ابْن عمر للتَّرْجَمَة أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَو سَأَلَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن يهب الْبَعِير لِابْنِهِ عبد الله لبادر إِلَى ذَلِك، وَلكنه لَو فعل لم يكن عدلا بَين بني عمر، فَلذَلِك اشْتَرَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عمر ثمَّ وهبه لعبد الله، وَهَذَا يدل على مَا بوب لَهُ البُخَارِيّ من التَّسْوِيَة بَين الْأَبْنَاء فِي الْهِبَة.

وَاخْتلف الْفُقَهَاء فِي معنى التَّسْوِيَة: هَل هُوَ على الْوُجُوب أَو على النّدب؟ فَأَما مَالك وَاللَّيْث وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه فأجازوا أَن يخص بعض بنيه دون بعض بالنحلة والعطية، على كَرَاهِيَة من بَعضهم، والتسوية أحب إِلَى جَمِيعهم. وَقَالَ الشَّافِعِي: ترك التَّفْضِيل فِي عَطِيَّة الْأَبْنَاء فِيهِ حسن الْأَدَب، وَيجوز لَهُ ذَلِك فِي الحكم، وَكره الثَّوْريّ وَابْن الْمُبَارك وَأحمد أَن يفضل بعض وَلَده على بعض فِي العطايا، وَكَانَ إِسْحَاق يَقُول مثل هَذَا، ثمَّ رَجَعَ إِلَى مثل قَول الشَّافِعِي. وَقَالَ الْمُهلب: وَفِي الحَدِيث دلَالَة على أَنه لَا تلْزم المعدلة فِيمَا يَهبهُ غير الْأَب لولد غَيره.

٦٨٥٢ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالكٌ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ ومُحَمَّدِ بنِ النُّعْمَانِ بنَ بَشِيرٍ أنَّهُما حدَّثاه عنِ النُّعْمانِ ابنَ بَشيرٍ أنَّ أبَاهُ أَتى بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إنِّي نَحَلْتُ ابْني هذَا غُلاماً فَقَالَ أكُلَّ ولَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ قَالَ لَا قَالَ فارْجِعْهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن التَّرْجَمَة فِيمَا إِذا أعْطى لبَعض وَلَده لم يجز حَتَّى يعدل وَيُعْطِي الآخرين مثله، والْحَدِيث يتَضَمَّن هَذَا على مَا لَا يخفى.

ذكر رِجَاله: عبد الله بن يُوسُف التنيسِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَقد تكَرر ذكره، وَمَالك بن أنس وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ، وَحميد، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة: ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَقد مر فِي الْإِيمَان، وَمُحَمّد بن النُّعْمَان بن بشير الْأنْصَارِيّ، ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات التَّابِعين، وَقَالَ الْعجلِيّ: هُوَ تَابِعِيّ ثِقَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة إلَاّ أَبَا دَاوُد، والنعمان، بِضَم النُّون: ابْن بشير ضد

<<  <  ج: ص:  >  >>