للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بهَا وَخَرجُوا طَالِبين يُونُس فَلم يجدوه، وَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى كشف الله عَنْهُم الْعَذَاب، ثمَّ إِن يُونُس ركب سفينة فَلم تجرِ، فَقَالَ أَهلهَا: فِيكُم آبق، فاقترعوا فَخرجت الْقرعَة عَلَيْهِ، فالتقمه الْحُوت. وَقد اخْتلف فِي مُدَّة لبثه فِي بَطْنه من يَوْم وَاحِد إِلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا. فَأوحى الله تَعَالَى إِلَى الْحُوت أَن يلتقمه وَلَا يكسر لَهُ عظما. وَذكر مقَاتل: أَنهم قارعوه سِتّ مَرَّات خوفًا عَلَيْهِ من أَن يقذف فِي الْبَحْر، وَفِي كلهَا خرج عَلَيْهِ، وَفِي يُونُس سِتّ لُغَات: ضم النُّون وَفتحهَا وَكسرهَا مَعَ الْهمزَة وَتَركه، وَالْأَشْهر ضم النُّون بِغَيْر همز.

وَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ عَرَضَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قَوْمٍ اليَمينَ فَأسْرَعُوا فأمَرَ أنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ أيُّهُمْ يَحْلِفُ

هَذَا التَّعْلِيق قد مر مَوْصُولا فِي: بَاب إِذا سارع قوم فِي الْيَمين، وَقد مر عَن قريب، وَهَذَا أَيْضا يدل على مَشْرُوعِيَّة الْقرعَة.

٦٨٦٢ - حدَّثنا عُمَرَ بنُ حَفْصِ بنِ غِياثٍ قَالَ حدَّثنا أبِي قَالَ حدَّثنا الأعْمَشُ قَالَ حدَّثني الشَّعْبِيُّ أنَّهُ سَمِعَ النُّعْمَانَ بنَ بَشِيرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَقولُ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَثَلُ الْمُدهِنِ فِي حُدُودِ الله والواقِعِ فِيها مثَلُ قَوْمٍ اسْتهَمُوا سَفِينَةً فصارَ بَعْضُهُمْ فِي أسْفَلِهَا وصارَ بَعْضُهم فِي أعْلاهَا فكانَ الَّذِي فِي أسْفَلِهَا يَمُرُّونَ بالْمَاءِ على الَّذِينَ فِي أعْلاهَا فَتأذَّوْا بهِ فأخَذَ فَأْساً فَجَعَلَ يَنْقُرُ أسْفَلَ السَّفِينَةِ فأتوْهُ فَقَالُوا مالَكَ قَالَ تأذَّيْتُمْ بِي وَلَا بُدَّ لي مِنَ المَاءِ فإنْ أخَذُوا على يدَيْهِ أنْجَوْه ونجَّوا أنْفُسَهُمْ وإنْ تَرَكُوا أهْلَكُوهُ وأهْلَكُوا أنْفُسَهُمْ..

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (استهموا سفينة) ، وَهَذَا الحَدِيث مضى فِي الشّركَة فِي: بَاب هَل يقرع فِي الْقِسْمَة؟ والاستهام فِيهِ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أبي نعيم عَن زَكَرِيَّاء. قَالَ: سَمِعت عَامِرًا، وَهُوَ الشّعبِيّ يَقُول: سَمِعت النُّعْمَان بن بشير ... إِلَى آخِره، وَفِي بعض النّسخ وَقع حَدِيث النُّعْمَان هَكَذَا فِي آخر الْبَاب.

قَوْله: (مثل المدهن) ، وَهُنَاكَ: مثل الْقَائِم على حُدُود الله تَعَالَى، والمدهن، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَكسر الْهَاء، وَفِي آخِره نون من الإدهان، وَهُوَ الْمُحَابَاة فِي غير حق، وَهُوَ الَّذِي يرائي ويضيع الْحُقُوق وَلَا يُغير الْمُنكر، وَوَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي الشّركَة: مثل الْقَائِم على حُدُود الله وَالْوَاقِع فِيهَا والمدهن فِيهَا، وَهَذِه ثَلَاث فرق، وجودهَا فِي الْمثل الْمَضْرُوب هُوَ أَن الَّذين أَرَادوا خرق السَّفِينَة بِمَنْزِلَة الْوَاقِع فِي حُدُود الله، ثمَّ من عداهم إِمَّا مُنكر وَهُوَ الْقَائِم، وَإِمَّا سَاكِت وَهُوَ المداهن.

وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: قَالَ ثمَّة، يَعْنِي: فِي كتاب الشّركَة: مثل الْقَائِم على حُدُود الله، وَقَالَ هَهُنَا: مثل المدهن، وهما نقيضان إِذْ الْآمِر هُوَ الْقَائِم بِالْمَعْرُوفِ والمدهن هُوَ التارك لَهُ، فَمَا وَجهه؟ قلت: كِلَاهُمَا صَحِيح، فَحَيْثُ قَالَ الْقَائِم نظر إِلَى جِهَة النجَاة، وَحَيْثُ قَالَ المدهن نظر إِلَى جِهَة الْهَلَاك، وَلَا شكّ أَن التَّشْبِيه مُسْتَقِيم على كل وَاحِد من الْجِهَتَيْنِ. وَاعْترض عَلَيْهِ بَعضهم بقوله: كَيفَ يَسْتَقِيم هُنَا الِاقْتِصَار على ذكر المدهن، وَهُوَ: التارك لِلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وعَلى ذكر الْوَاقِع فِي الْحَد وَهُوَ العَاصِي، وَكِلَاهُمَا هَالك، وَالْحَاصِل أَن بعض الروَاة ذكر المدهن والقائم، وَبَعْضهمْ ذكر الْوَاقِع والقائم، وَبَعْضهمْ جمع الثَّلَاثَة. وَأما الْجمع بَين المدهن وَالْوَاقِع دون الْقَائِم فَلَا يَسْتَقِيم. انْتهى.

قلت: لَا وَجه لاعتراضه على الْكرْمَانِي، لِأَن سُؤال الْكرْمَانِي وَجَوَابه مبنيان على الْقسمَيْنِ الْمَذْكُورين فِي هَذَا الحَدِيث، وهما: المدهن الْمَذْكُور هُنَا، والقائم الْمَذْكُور هُنَاكَ، وَهُوَ لم يبين كَلَامه على التارك الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ، وَالْوَاقِع فِي الْحَد، فَلَا يرد عَلَيْهِ شَيْء أصلا، تَأمل، فَإِنَّهُ مَوضِع يحْتَاج فِيهِ إِلَى التَّأَمُّل.

قَوْله: (استهموا سفينة) أَي: اقترعوها فَأخذ كل وَاحِد مِنْهُم سَهْما، أَي: نَصِيبا من السَّفِينَة بِالْقُرْعَةِ، وَقَالَ ابْن التِّين: وَإِنَّمَا يَقع ذَلِك فِي السَّفِينَة وَنَحْوهَا فِيمَا إِذا أنزلوا مَعًا، أما لَو سبق بَعضهم بَعْضًا فَالسَّابِق أَحَق بموضعه، وَقَالَ بَعضهم: هَذَا فِيمَا إِذا كَانَت مسبلة، أما إِذا كَانَت مَمْلُوكَة لَهُم مثلا فالقرعة مَشْرُوعَة: إِذا تنازعوا. قلت: إِذا وَقعت الْمُنَازعَة تشرع الْقرعَة سَوَاء كَانَت مسبلة أَو مَمْلُوكَة، مَا لم يسْبق أحدهم فِي المسبلة. قَوْله: (فتأذوا بِهِ) ، أَي: بالمار عَلَيْهِم، أَو: بِالْمَاءِ الَّذِي مَعَ الْمَار عَلَيْهِم. قَوْله: (ينقر) ، بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون النُّون وَضم الْقَاف من النقر، وَهُوَ الْحفر سَوَاء كَانَ فِي الْخشب أَو الْحجر، أَو نَحْوهمَا، قَوْله:

<<  <  ج: ص:  >  >>