للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مُسلم أَيْضا عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور الكوسج عَن أبي أُسَامَة. قلت: إِسْحَاق الْمَذْكُور هُنَا لَا يخرج عَن أحد الثَّلَاثَة، ويترجح أَن يكون إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه لِكَثْرَة رِوَايَته عَنهُ، وَقد حكى الجياني عَن سعيد بن السكن الْحَافِظ: أَن مَا كَانَ فِي كتاب البُخَارِيّ عَن إِسْحَاق غير مَنْسُوب فَهُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وَهُوَ: بِالْهَاءِ وَالْوَاو المفتوحتين وَالْيَاء آخر الْحُرُوف الساكنة، وَهُوَ الْمَشْهُور، وَيُقَال أَيْضا: بِالْهَاءِ المضمومة وبالياء أخر الْحُرُوف الْمَفْتُوحَة، وَهُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن مخلد، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح اللَّام، أَبُو يَعْقُوب الْحَنْظَلِي الْمروزِي، سكن نيسابور، وَقَالَ عبد اللَّه بن طَاهِر لَهُ: لِمَ قيل لَك ابْن رَاهَوَيْه؟ قَالَ: إعلم أَيهَا الْأَمِير أَن أبي ولد فِي طَرِيق مَكَّة، فَقَالَ المراوزة: راهوي، لِأَنَّهُ ولد فِي الطَّرِيق، وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ: رَاه، وَهُوَ أحد أَرْكَان الْمُسلمين، وَعلم من أَعْلَام الدّين، مَاتَ بنيسابور سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، قلت: يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر السَّعْدِيّ البُخَارِيّ، بِالْخَاءِ العجمة، نزيل الْمَدِينَة، توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، أَو: إِسْحَاق بن مَنْصُور بن بهْرَام الكوسج الْمروزِي، مَاتَ عَام أحد وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، إِذْ البُخَارِيّ فِي هَذَا الصَّحِيح يروي عَن الثَّلَاثَة عَن أبي أُسَامَة، قَالَ الغساني فِي كتاب (تَقْيِيد المهمل) إِن البُخَارِيّ إِذا قَالَ: حَدثنَا إِسْحَاق، غير مَنْسُوب، حَدثنَا أَبُو أُسَامَة، يَعْنِي بِهِ أحد هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة، وَلَا يَخْلُو عَن أحدهم.

قاعٌ يَعْلُوهُ الماءُ، والصَّفْصَفٌ المُسْتَوي منَ الأَرْض

لما كَانَ فِي الحَدِيث لفظ: قيعان، أَشَارَ بقوله: (قاع يعلوه المَاء) إِلَى شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: أَن قيعان، الْمَذْكُورَة وَاحِدهَا: قاع. وَالْآخر: أَن القاع هِيَ الأَرْض الَّتِي يعلوها المَاء وَلَا يسْتَقرّ فِيهَا، وَذكر: الصفصف، مَعَه بطرِيق الاستطراد، لِأَن من عَادَته تَفْسِير مَا وَقع فِي الحَدِيث من الْأَلْفَاظ الْوَاقِعَة فِي الْقُرْآن، وَوَقع فِي الْقُرْآن: {قاعا صفصفا} (طه: ١٠٦) قَالَ أَكثر أهل اللُّغَة: الصفصف المستوي من الأَرْض، مثل مَا فسره البُخَارِيّ، وَقَالَ ابْن عباد الصفصف، حرف الْجَبَل. وَوَقع فِي بعض النّسخ: والمصطف المستوي من الأَرْض، وَهُوَ تَصْحِيف. ثمَّ قَوْله: قاع ... إِلَى آخِره، إِنَّمَا هُوَ ثَابت فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيره لَيْسَ بموجود.

٢١ - (بَاب رفْعِ العِلْمِ وظُهُورِ الجَهْلِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رفع الْعلم وَظُهُور الْجَهْل، وَإِنَّمَا قَالَ: وَظُهُور الْجَهْل، مَعَ أَن رفع الْعلم يسْتَلْزم ظُهُور الْجَهْل، لزِيَادَة الْإِيضَاح. وَوجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبَاب الأول: فضل الْعَالم والمتعلم، وَفِيه التَّرْغِيب فِي تَحْصِيل الْعلم وَالْإِشَارَة إِلَى فَضِيلَة الْعلم، وَهَذَا الْبَاب فِيهِ ضد ذَلِك، لِأَن فِيهِ: رفع الْعلم المستلزم لظُهُور الْجَهْل، وَفِيه التحذير وذم الْجَهْل وبالضد تتبين الْأَشْيَاء.

وَقَالَ رَبيعَةُ لَا يَنْبَغِي لأحَدٍ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنَ العِلْمِ أنْ يُضَيِّعَ نَفْسَهُ.

ربيعَة: هُوَ الْمَشْهُور بربيعة الرَّأْي، بِإِسْكَان الْهمزَة، إِنَّمَا قيل لَهُ ذَلِك لِكَثْرَة اشْتِغَاله بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَاد، وَهُوَ ابْن أبي عبد الرَّحْمَن فروخ، بِالْفَاءِ وَالرَّاء الْمُشَدّدَة المضمومة وبالخاء الْمُعْجَمَة، الْمدنِي التَّابِعِيّ الْفَقِيه، شيخ مَالك بن أنس، روى عَنهُ الْأَعْلَام مِنْهُم أَبُو حنيفَة. توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة بِالْمَدِينَةِ، وَقيل: بالأنبار، فِي دولة أبي الْعَبَّاس. فَإِن قلت: مَا وَجه مُنَاسبَة قَول ربيعَة هَذَا للتبويب فِي رفع الْعلم؟ قلت: من كَانَ لَهُ فهم وَقبُول يلْزمه من فرض الْعلم مَا لَا يلْزم غَيره، فَيَنْبَغِي أَن يجْتَهد فِيهِ وَلَا يضيع علمه فيضيع نَفسه، فَإِنَّهُ إِذا لم يتَعَلَّم أفْضى إِلَى رفع الْعلم، لِأَن البليد لَا يقبل الْعلم، فَهُوَ عَنهُ مُرْتَفع. فَلَو لم يتَعَلَّم الْفَهم لارتفع الْعلم عَنهُ أَيْضا، فيرتفع عُمُوما، وَذَلِكَ من أَشْرَاط السَّاعَة. وَيُقَال: معنى كَلَام ربيعَة: الْحَث على نشر الْعلم، لِأَن الْعَالم فِي قومه إِذا لم ينشر علمه، وَمَات قبل ذَلِك، أدّى ذَلِك إِلَى رفع الْعلم وَظُهُور الْجَهْل، وَهَذَا الْمَعْنى أَيْضا يُنَاسب التَّبْوِيب. وَيُقَال: مَعْنَاهُ: أَنه لَا يَنْبَغِي للْعَالم أَن يَأْتِي بِعِلْمِهِ أهل الدُّنْيَا. وَلَا يتواضع لَهُم إجلالاً للْعلم. فعلى هَذَا فَالْمَعْنى فِي مُنَاسبَة التَّبْوِيب مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ من قلَّة الإشتغال بِالْعلمِ والاهتمام بِهِ لما يرى من ابتذال أَهله وَقلة الاحترام لَهُم. قَوْله: (أَن يضيع) وَفِي بعض النّسخ: يضيع، بِدُونِ: أَن، مَعْنَاهُ، بِأَن لَا يُفِيد النَّاس وَلَا يسْعَى فِي تَعْلِيم الْغَيْر، وَقد قيل:

(وَمن منع المستوجبين فقد ظلم)

وَقَالَ التَّيْمِيّ:

<<  <  ج: ص:  >  >>