للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سنة ثَمَان وَعشْرين، وَقَالَ ابْن زيد: سنة سبع وَعشْرين، وَقيل: بل كَانَ ذَلِك فِي خلَافَة مُعَاوِيَة على ظَاهره، وَالْأول أشهر، وَهُوَ مَا ذكره أهل السّير، وَفِيه: هَلَكت، وَقَالَ الْكرْمَانِي، رَحمَه الله تَعَالَى، وَاخْتلفُوا فِي أَنه مَتى جرت الْغَزْوَة الَّتِي توفيت فِيهَا أم حرَام؟ فَقَالَ البُخَارِيّ وَمُسلم: فِي زمن مُعَاوِيَة، وَقَالَ القَاضِي: أَكثر أهل السّير أَن ذَلِك كَانَ فِي خلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فعلى هَذَا يكون معنى قَوْلهَا: فِي زمن مُعَاوِيَة، زمَان، غَزْوَة مُعَاوِيَة فِي الْبَحْر، لَا زمَان خِلَافَته، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: إِن مُعَاوِيَة غزا تِلْكَ الْغَزْوَة بِنَفسِهِ. انْتهى. قلت: كَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قد منع الْمُسلمين من الْغَزْو فِي الْبَحْر شَفَقَة عَلَيْهِم، واستأذنه مُعَاوِيَة فِي ذَلِك فَلم يَأْذَن لَهُ، فَلَمَّا ولي عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، استأذنه فَأذن لَهُ. وَقَالَ: لَا تكره أحدا، من غزاه طَائِعا فاحمله، فَسَار فِي جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم أَبُو ذَر وَعبادَة بن الصَّامِت وَمَعَهُ زَوجته أم حرَام بنت ملْحَان وَشَدَّاد بن أَوْس وَأَبُو الدَّرْدَاء فِي آخَرين، وَهُوَ أول من غزا الجزائر فِي الْبَحْر، وَصَالَحَهُ أهل قبرس على مَال، وَالأَصَح أَنَّهَا فتحت عنْوَة، وَلما أَرَادوا الْخُرُوج مِنْهَا قدمت لأم حرَام بغلة لتركبها فَسَقَطت عَنْهَا، فَمَاتَتْ. هُنَالك، فقبرها هُنَالك يعظمونه ويستسقون بِهِ، وَيَقُولُونَ: قبر الْمَرْأَة الصَّالِحَة. قَوْله: (حِين خرجت من الْبَحْر) ، أَرَادَ بِهِ حِين خُرُوجهَا من الْبَحْر إِلَى نَاحيَة الجزيرة، لِأَنَّهَا دفنت هُنَاكَ.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: جَوَاز دُخُول الرجل على محرمه وملامسته إِيَّاهَا وَالْخلْوَة بهَا، وَالنَّوْم عِنْدهَا. وَفِيه: إِبَاحَة مَا قَدمته الْمَرْأَة إِلَى ضيفها من مَال زَوجهَا، لِأَن الْأَغْلَب أَن مَا فِي الْبَيْت من الطَّعَام هُوَ للرجل، قَالَ ابْن بطال: وَمن الْمَعْلُوم أَن عبَادَة وكل الْمُسلمين يسرهم وجود سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيته، وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يكون ذَلِك من مَال زَوجهَا لعلمه أَنه كَانَ يسر بذلك، وَيحْتَمل أَن يكون من مَالهَا، وَاعْتَرضهُ الْقُرْطُبِيّ فَقَالَ: حِين دُخُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أم حرَام لم تكن زوجا لعبادة، كَمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهر اللَّفْظ، إِنَّمَا تزوجته بعد ذَلِك بِمدَّة، كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَة عِنْد مُسلم: فَتَزَوجهَا عبَادَة بعد. وَفِيه: جَوَاز فلي الرَّأْس وَقتل الْقمل، وَيُقَال قتل الْقمل وَغَيره من المؤذيات مُسْتَحبّ. وَفِيه: نوم القائلة، لِأَنَّهُ يعين الْبدن لقِيَام اللَّيْل. وَفِيه: جَوَاز الضحك عِنْد الْفَرح، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضحك فَرحا وسروراً بِكَوْن أمته تبقى بعده متظاهرين، وَأُمُور الْإِسْلَام قَائِمَة بِالْجِهَادِ حَتَّى فِي الْبَحْر. وَفِيه: دلَالَة على ركُوب الْبَحْر للغزو، وَقَالَ سعيد بن الْمسيب: كَانَ أَصْحَاب النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتجرون فِي الْبَحْر، مِنْهُم: طَلْحَة وَسَعِيد بن زيد، وَهُوَ قَول جُمْهُور الْعلمَاء إلَاّ عمر بن الْخطاب وَعمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فَإِنَّهُمَا منعا من ركُوبه مُطلقًا. وَمِنْهُم من حمله على ركُوبه لطلب الدُّنْيَا لَا للآخرة، وَكره مَالك ركُوبه للنِّسَاء مُطلقًا، لما يخَاف عَلَيْهِنَّ من أَن يطلع مِنْهُنَّ أم يطلعن على عَورَة، وَخَصه بَعضهم بالسفن الصغار دون الْكِبَار، والْحَدِيث يخدش فِيهِ. فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يركب الْبَحْر إلَاّ حَاجا أَو مُعْتَمِرًا أَو غازياً، فَإِن تَحت الْبَحْر نَارا، وَتَحْت النَّار بحراً) . قلت: هَذَا حَدِيث ضَعِيف، وَلما رَوَاهُ الْخلال فِي (علله) من حَدِيث لَيْث عَن مُجَاهِد عَن عبد الله بن عمر يرفعهُ، قَالَ: قَالَ ابْن معِين: هَذَا عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُنكر. وَفِيه: إِبَاحَة الْجِهَاد للنِّسَاء فِي الْبَحْر، وَقد ترْجم البُخَارِيّ لذَلِك، على مَا سَيَأْتِي. وَفِيه: أَن الْوَكِيل أَو المؤتمن إِذا علم أَنه يسر صَاحب الْمنزل فِيمَا يَفْعَله فِي مَاله جَازَ لَهُ فعل ذَلِك، وَاخْتلف الْعلمَاء فِي عَطِيَّة الْمَرْأَة من مَال زَوجهَا بِغَيْر إِذْنه، وَقد مر هَذَا فِي الْوكَالَة. وَفِيه: أَن الْجِهَاد تَحت راية كل إِمَام جَائِز ماضٍ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. وَفِيه: تمني الْغَزْو وَالشَّهَادَة حَيْثُ قَالَت أم حرَام: أُدْعُ الله أَن يَجْعَلنِي مِنْهُم. وَفِيه: أَنه من أَعْلَام نبوته وَذَلِكَ أَنه أخبر فِيهِ بضروب الْغَيْب قبل وُقُوعهَا، مِنْهَا: جِهَاد أمته فِي الْبَحْر، وضحكه دَال على أَن الله تَعَالَى يفتح لَهُم ويغنمهم. وَمِنْهَا الْإِخْبَار بِصفة أَحْوَالهم فِي جهادهم، وَهُوَ قَوْله: (يركبون ثبج هَذَا الْبَحْر) ، وَمِنْهَا قَوْله لأم حرَام: أَنْت من الْأَوَّلين، فَكَانَ كَذَلِك. وَمِنْهَا: الْإِخْبَار بِبَقَاء أمته من بعده، وَأَن يكون لَهُم شَوْكَة، وَأَن أم حرَام تبقى إِلَى ذَلِك الْوَقْت، وكل ذَلِك لَا يعلم إلَاّ بِوَحْي عَليّ أُوحِي بِهِ إِلَيْهِ فِي نَومه. وَفِيه: أَن رُؤْيا الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، حق. وَفِيه: الضحك المبشر إِذا بشر بِمَا يسر، كَمَا فعل الشَّارِع. قَالَ الْمُهلب: وَفِيه: فضل لمعاوية وَأَن الله قد بشر بِهِ نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم، لِأَنَّهُ أول من غزا فِي الْبَحْر وَجعل من غزا تَحت رايته من الْأَوَّلين. وَفِيه: أَن الْمَوْت فِي سَبِيل الله شَهَادَة، وَقَالَ ابْن أبي (شيبَة) : حَدثنَا يزِيد

<<  <  ج: ص:  >  >>