للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٠٥١ - (بابٌ {فإمَّا مَناً بَعْدُ وإمَّا فِداءً} (مُحَمَّد: ٠٤) .)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ التَّخْيِير بَين الْمَنّ وَالْفِدَاء فِي الأسرى. لقَوْله تَعَالَى: {فإمَّا منا بعد وَإِمَّا فدَاء} وَأول هَذَا قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا لَقِيتُم الَّذين كفرُوا فَضرب الرّقاب حَتَّى إِذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإمَّا منا بعد وَإِمَّا فدَاء حَتَّى تضع الْحَرْب أَوزَارهَا} (مُحَمَّد: ٠٤) . قَوْله: {فَإِذا لَقِيتُم} من اللِّقَاء وَهُوَ الْحَرْب. قَوْله: {فَضرب الرّقاب} (مُحَمَّد: ٠٤) . أَصله: فاضربوا الرّقاب ضربا، فَحذف الْفِعْل وَقدم الْمصدر فأنيب مناب الْفِعْل مُضَافا إِلَى الْمَفْعُول، وَفِيه اخْتِصَار مَعَ إِعْطَاء معنى التوكيد، وَضرب: عبارَة عَن الْقَتْل، لِأَن الْوَاجِب أَن تضرب الرّقاب خَاصَّة دون غَيرهَا من الْأَعْضَاء مَعَ أَن فِي هَذِه الْعبارَة من الغلظة والشدة مَا لَيْسَ فِي لفظ الْقَتْل، وَلَقَد زَاد فِي هَذِه الغلظة فِي قَوْله: فاضربوا فَوق الْأَعْنَاق. قَوْله: {حَتَّى إِذا أثخنتموهم} (مُحَمَّد: ٠٤) . أَي: أَكثرْتُم قَتلهمْ وأغلظتموه، من الشَّيْء الثخين وَهُوَ الغليظ وَقيل: أثقلتموهم بِالْقَتْلِ والجراح حَتَّى أَذهَبْتُم عَنْهُم النهوض، وَقيل: قهرتموهم وغلبتموهم. قَوْله: {فشدوا الوثاق} (مُحَمَّد: ٠٤) . وَهُوَ بِفَتْح الْوَاو: اسْم مَا يوثق بِهِ. قَوْله: {فإمَّا منا} مَنْصُوب بِتَقْدِير: فإمَّا تمنون منا، وَكَذَلِكَ: وَإِمَّا تفدون فدَاء، وَالْمعْنَى: التَّخْيِير بعد الْأسر بَين أَن يمنوا عَلَيْهِم فيطلقوهم وَبَين أَن يفادوهم، وَقَالَ الضَّحَّاك: قَوْله تَعَالَى: {فإمَّا منا بعد وَإِمَّا فدَاء} (مُحَمَّد: ٠٤) . ناسخة لقَوْله تَعَالَى: {اقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التَّوْبَة: ٥) . ويروى مثله عَن ابْن عمر، قَالَ: أَلَيْسَ الله بِهَذَا أمرنَا، قَالَ: {حَتَّى إِذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإمَّا منا بعد وَإِمَّا فدَاء} (مُحَمَّد: ٠٤) . وَهُوَ قَول عَطاء وَالشعْبِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ، كَرهُوا قتل الْأَسير، وَقَالُوا: يمن عَلَيْهِ أويفادوه، وبمثل هَذَا اسْتدلَّ الطَّحَاوِيّ، فَقَالَ: ظَاهر الْآيَة يَقْتَضِي الْمَنّ أَو الْفِدَاء وَيمْنَع الْقَتْل.

فِيهِ حدِيثُ ثَمامَةَ

أَي: فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث ثُمَامَة، بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة: ابْن أَثَال، بِضَم الْهمزَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة المخففة، وَقد مر حَدِيثه فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب دُخُول الْمُشرك الْمَسْجِد، وَمر أَيْضا فِي: بَاب الْمُلَازمَة والإشخاص فِي موضِعين. أَحدهمَا فِي: بَاب التَّوَثُّق مِمَّن يخْشَى معرته، وَالْآخر فِي: بَاب الرَّبْط وَالْحَبْس فِي الْحرم، وَسَيَأْتِي أَيْضا مطولا فِي أَوَاخِر كتاب الْمَغَازِي فِي: بَاب وَفد بني حنيفَة، وَحَدِيث ثُمَامَة ابْن أَثَال، وَحَاصِله أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بعث خيلاً قِبَلَ نَجدٍ فَجَاءَت بِرَجُل من بني حنيفَة يُقَال لَهُ ثُمَامَة بن أَثَال، فربطوه بِسَارِيَة من سواري الْمَسْجِد، ثمَّ أطلقهُ، وَالله أعلم.

وقَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ {مَا كانَ لِنَبِيِّ أنْ تَكُونَ لَهُ أسْرَى} (الْأَنْفَال: ٧٦) .

وَتَمام الْآيَة: {حَتَّى يثخن فِي الأَرْض تُرِيدُونَ عرض الدُّنْيَا وَالله يُرِيد الْآخِرَة وَالله عَزِيز حَكِيم} (الْأَنْفَال: ٧٦) . وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر بن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) من حَدِيث عبيد الله بن مُوسَى: حَدثنَا إِسْرَائِيل عَن إِبْرَاهِيم بن مهَاجر عَن مُجَاهِد عَن ابْن عمر: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لم أسر الْأُسَارَى يَوْم بدر: أسر الْعَبَّاس فِيمَن أسر، أسره رجل من الْأَنْصَار، قَالَ: وَقد أوعدته الْأَنْصَار إِن يقتلوه، فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وسلموفيه: إِنِّي لم أنم اللَّيْلَة من أجل عمي الْعَبَّاس، وَقد زعمت الْأَنْصَار أَنهم قَاتلُوهُ، فَقَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: فآتهم. قَالَ: نعم، فَأتى عمر الْأَنْصَار، فَقَالَ لَهُم: أرْسلُوا الْعَبَّاس، فَقَالُوا: لَا وَالله لَا نرسله، فَقَالَ لَهُم عمر: فَإِن كَانَ لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رضَا؟ قَالُوا: فَإِن كَانَ لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رضَا فَخذه، فَأَخذه عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَلَمَّا صَار فِي يَده قَالَ لَهُ: يَا عَبَّاس! أسلم فوَاللَّه لَئِن تسلم أحب إِلَيّ من أَن يسلم الْخطاب، وَمَا ذَاك إلَاّ لما رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُعجبهُ إسلامك. قَالَ: فَاسْتَشَارَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ أَبُو بكر: عشيرتك فأرسلهم، فَاسْتَشَارَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ: ففاداهم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأنْزل الله عز وَجل: {مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكون لَهُ أسرى حَتَّى يثخن فِي الأَرْض} (الْأَنْفَال: ٧٦) . الْآيَة. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ.

وَاخْتلف الْعلمَاء فِي هَذَا الْبَاب. مِنْهُم من قَالَ: لَا يحل قتل أَسِير صبرا، وَإِنَّمَا يمن عَلَيْهِ أَو يفدى، وَقَالُوا: إِن قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا انْسَلَخَ الْأَشْهر الْحرم فَاقْتُلُوا الْمُشْركين} (التَّوْبَة: ٥) . مَنْسُوخ بقوله: {فإمَّا منَّاً وَإِمَّا فدَاء} (مُحَمَّد: ٤) . وَهُوَ قَول جمَاعَة من التَّابِعين، وَقد ذَكَرْنَاهُمْ عَن قريب. وَمِنْهُم من قَالَ: لَا يجوز فِي الأسرى من الْمُشْركين إِلَّا الْقَتْل، وَجعلُوا قَوْله عز وَجل: {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التَّوْبَة: ٥) . نَاسِخا لقَوْله: {فإمَّا منّاً بعد

<<  <  ج: ص:  >  >>