للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من لَدُنْك وليا يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب واجعله رب رَضِيا يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نبشرك بِغُلَام اسْمه يحيى لم نجْعَل لَهُ من قبل سميا} (مَرْيَم: ٥ ٧) [/ ح.

قَوْله: (ذكر) ، مَرْفُوع بِأَنَّهُ خبر لقَوْله: {كهيعص} ، وَقيل: خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هَذَا القَوْل الَّذِي نتلو عَلَيْك ذكر رَحْمَة رَبك، وَقيل: مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر مُقَدّر تَقْدِيره، فِيمَا أُوحِي إِلَيْك ذكر رَحْمَة رَبك، و: ذكر مصدر مُضَاف إِلَى الرَّحْمَة، وَهِي فَاعله، و: عَبده، مفعولها. قَوْله: (خفِيا) أَي: خافياً يخفى ذَلِك فِي نَفسه لم يطلع عَلَيْهِ إلَاّ الله. قَوْله: (وَهن) ، يُقَال: وَهن يهن وَهنا، فَهُوَ واهن، وَقَالَ الْفراء: وَهن الْعظم، بِالْفَتْح وَالْكَسْر فِي الْهَاء: أَرَادَ أَن قُوَّة عِظَامه ذهبت لكبر سنه، وَإِنَّمَا خص الْعظم لِأَنَّهُ الأَصْل فِي التَّرْكِيب، وَقَالَ قَتَادَة: شكى ذهَاب أَضْرَاسه. قَوْله: (واشتعل الرَّأْس شيباً) أَي: من حَيْثُ الشيب شبه الشيب بشواظ النَّار فِي بياضه وإنارته وانتشاره فِي الشّعْر وفشوه فِيهِ وَأَخذه كل مَأْخَذ باشتعال النَّار، ثمَّ أخرجه مخرج الِاسْتِعَارَة، ثمَّ أسْند الاشتعال إِلَى مَكَان الشّعْر ومنبته وَهُوَ الرَّأْس، وَأخرج الشيب مُمَيّزا وَلم يضف الرَّأْس، يَعْنِي لم يقل: رَأْسِي، اكْتِفَاء بِعلم الْمُخَاطب أَنه رَأس زَكَرِيَّا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمن ثمَّ فَصحت هَذِه الْجُمْلَة وَشهد لَهَا بالبلاغة. قَوْله: (وَلم أكن بدعائك رب شقياً) أَي: بدعائي إياك شقياً أَي: خائباً. قَوْله: الموَالِي، وهم الَّذين يلونه فِي النّسَب، وهم: بَنو الْعم والعصبة، وَكَانَ عَمه وعصبته شرار بني إِسْرَائِيل فخافهم على الدّين أَن يغيروه ويبدلوه وَأَن لَا يحسنوا للخلافة على أمته، فَطلب عقباً من صلبه صَالحا يُقتدى بِهِ فِي إحْيَاء الدّين. قَوْله: (عاقراً) أَي: عقيماً لَا تَلد. قَوْله: (وليا) ، أَي: ولدا صَالحا يحمل أَمر الدّين بعدِي. قَوْله: (يَرِثنِي) ، أَي: يَرث النُّبُوَّة وَقيل: الْعلم، وَقيل: يرثهما. قَوْله: (وَيَرِث من آل يَعْقُوب) ، قَالَ ابْن عَبَّاس: يَرِثنِي مَالِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب النُّبُوَّة، وَعنهُ: يَرِثنِي الْعلم وَيَرِث من آل يَعْقُوب الْملك، فَأَجَابَهُ الله إِلَى وراثة الْعلم دون الْملك. قَوْله: (لم نجْعَل لَهُ من قبل سمياً) ، يَعْنِي: لم يسم أحد قبله بِيَحْيَى. فَإِن قلت: مَا وَجه المدحة باسم لم يسم أحد قبله ونرى كثيرا من الْأَسْمَاء لم يسْبق إِلَيْهَا؟ قلت: لِأَن الله تَعَالَى تولى تَسْمِيَته وَلم يكل ذَلِك إِلَى أَبَوَيْهِ فَسَماهُ باسم لم يسْبق إِلَيْهِ.

وَاعْلَم أَن فِي زَكَرِيَّا أَربع لُغَات: الْمَدّ وَالْقصر وَحذف الْألف مَعَ إبْقَاء الْبَاء مُشَدّدَة وَتَخْفِيف الْيَاء، فَإِن مددت أَو قصرت لم تصرف، وَإِن حذفت الْألف مَعَ إبْقَاء الْيَاء مُشَدّدَة صرفته. وزَكَرِيا بن آدن بن مُسلم بن صَدُوق بن نخشان بن دَاوُد بن سُلَيْمَان بن مُسلم بن صديقَة بن ناخور بن شلوم بن بهفاشاط بن أسا بن أفيا بن رَحِيم بن سُلَيْمَان بن دَاوُد، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَذَا ذكره الثَّعْلَبِيّ، وَقَالَ ابْن عَسَاكِر فِي (تَارِيخه) : زَكَرِيَّا بن برخيا، وَيُقَال: زَكَرِيَّا بن دَان، وَيُقَال: ابْن آدن ... إِلَى آخِره، وَعَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَانَ زَكَرِيَّا نجاراً. انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ مُسلم وَابْنه يحيى من الْحَيَاة، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: كَانَ يحيى أعجمياً وَهُوَ الظَّاهِر، فَمنع صرفه للتعريف والعجمة: كموسى وَعِيسَى، وَإِن كَانَ عَرَبيا فللتعريف وَوزن الْفِعْل، وَاخْتلفُوا فِيهِ لِمَ سمي يحيى؟ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: لِأَن الله تَعَالَى أحيى بِهِ عقر أمه، وَقَالَ قَتَادَة: لِأَن الله تَعَالَى أحيى قلبه بِالْإِيمَان والنبوة، وَقيل: أَحْيَاهُ بِالطَّاعَةِ حَتَّى لم يعْص أصلا وَلم يهم بِمَعْصِيَة، وَاسم أم يحيى: أشياع بنت فاقوذا أُخْت حنة أم مَرْيَم، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِمَا وَسلم، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: كَانَ زَكَرِيَّا وَابْنه يحيى، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِم وَسلم، آخر من بعث فِي بني إِسْرَائِيل من أَنْبِيَائهمْ.

قَالَ ابنُ عبَّاسٍ مِثْلاً

أَي: قَالَ عبد الله بن عَبَّاس: معنى: سمياً، مثلا فِي قَوْله تَعَالَى: {هَل تعلم لَهُ سمياً} (مَرْيَم: ٥٦) .

يُقَالُ: رَضِيَّاً مَرْضِيَّاً

أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير: رَضِيا فِي قَوْله: {واجعله رب رَضِيا} (مَرْيَم: ٦) . بِأَنَّهُ بِمَعْنى: مرضياً. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: مرضيا ترضاه أَنْت وعبادك.

عَتِيَّاً عَصِياً عَتَا يَعْتُو

أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقد بلغت

<<  <  ج: ص:  >  >>