للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٧ - (بابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إلَاّ قَلِيلاً} )

أَي: هَذَا بَاب قَول الله تَعَالَى: {وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} (الْإِسْرَاء: ٨٥) وَأَرَادَ بإيراد هَذَا الْبَاب المترجم بِهَذِهِ الْآيَة التَّنْبِيه على أَن من الْعلم أَشْيَاء لم يطلع الله عَلَيْهَا نَبيا وَلَا غَيره.

وَوجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن كلا مِنْهُمَا مُشْتَمل على سُؤال عَن عَالم، غير أَن المسؤول قد بيَّن فِي الأول لكَونه مِمَّا يحْتَاج إِلَى علمه السَّائِل، وَلم يبين فِي هَذَا لعدم الْحَاجة إِلَى بَيَانه لكَونه مِمَّا اخْتصَّ الله سُبْحَانَهُ فِيهِ، وَلِأَن فِي عدم بَيَانه تَصْدِيقًا لنبوة النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم. حَيْثُ قَالَ الواحدي: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ إِن الْيَهُود اجْتَمعُوا فَقَالُوا: نسْأَل مُحَمَّدًا عَن الرّوح، وَعَن فتية فقدوا فِي أول الزَّمَان، وَعَن رجل بلغ مشرق الشَّمْس وَمَغْرِبهَا، فَإِن أجَاب فِي ذَلِك كُله فَلَيْسَ بِنَبِي وَإِن لم يجب فِي ذَلِك كُله فَلَيْسَ بِنَبِي، وَإِن أجَاب عَن بعض وَأمْسك عَن بعض فَهُوَ نَبِي فَسَأَلُوهُ عَنْهَا فَأنْزل الله تَعَالَى فِي شَأْن الْفتية: {أم حسبت أَن أَصْحَاب الْكَهْف} (الْكَهْف: ٩) إِلَى آخر الْقِصَّة. وَأنزل فِي شَأْن الرجل الَّذِي بلغ مشرق الأَرْض وَمَغْرِبهَا: {ويسألونك عَن ذِي القرنين} (الْكَهْف: ٨٣) إِلَى آخر الْقِصَّة، وَأنزل فِي الرّوح قَوْله تَعَالَى: {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} (الْإِسْرَاء: ٨٥) . قَوْله: {وَمَا أُوتِيتُمْ} (الْإِسْرَاء: ٨٥) الْخطاب عَام، وَرُوِيَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قَالَ لَهُم ذَلِك قَالُوا: نَحن مختصون بِهَذَا الْخطاب أم أَنْت مَعنا فِيهِ؟ فَقَالَ: (بل نَحن وَأَنْتُم لم نُؤْت من الْعلم إلَاّ قَلِيلا) . فَقَالُوا: مَا أعجب شَأْنك؟ سَاعَة تَقول: {وَمن يُؤْت الْحِكْمَة فقد أُوتِيَ خيرا كثيرا} (الْبَقَرَة: ٢٦٩) وَسَاعَة تَقول هَذَا {فَنزلت: {وَلَو أَن مَا فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر يمده من بعده سَبْعَة أبحر مَا نفذت كَلِمَات الله} (لُقْمَان: ٢٧) وَلَيْسَ مَا قَالُوهُ بِلَازِم، لِأَن الْقلَّة وَالْكَثْرَة يدوران مَعَ الْإِضَافَة، فيوصف الشَّيْء بالقلة مُضَافا إِلَى مَا فَوْقه، وَالْكَثْرَة مُضَافا إِلَى مَا تَحْتَهُ، فالحكمة الَّتِي أوتيها العَبْد خير كثير فِي نَفسهَا، إِلَّا أَنَّهَا إِذا أضيفت إِلَى علم الله تَعَالَى فَهِيَ قَليلَة. وَقيل: هُوَ خطاب للْيَهُود خَاصَّة لأَنهم قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قد أوتينا التَّوْرَاة فِيهَا الْحِكْمَة، وَقد تَلَوت: {وَمن يُؤْت الْحِكْمَة فقد أُوتِيَ خيرا كثيرا} (الْبَقَرَة: ٢٦٩) فَقيل لَهُم: إِن علم التَّوْرَاة قَلِيل فِي جنب علم الله تَعَالَى. قَوْله: {إِلَّا قَلِيلا} (الْإِسْرَاء: ٨٥) اسْتثِْنَاء من الْعلم، أَي: إِلَّا علما قَلِيلا، أَو من الإيتاء، أَي إِلَّا إيتَاء قَلِيلا، أَو من الضَّمِير أَي إلَاّ قَلِيلا مِنْكُم.

١٢٥ - حدّثنا قَيْسُ بنُ حَفْصٍ قالَ: حدّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ قَالَ: حدّثنا الأَعْمَشُ سُلَيْمَانُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَيْننَا أنَا أَمْشِي مَعَ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خَرِبِ المَدِينَةِ، وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عسيبٍ مَعَهُ، فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ اليَهُودِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عنِ الرُّوحِ؟ وقالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَسْألُوهُ} لَا يجيءُ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ. فقالَ بَعْضُهمْ: ولنَسْألَنَّهُ. فقامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فقالَ: يَا أَبَا القاسِمِ! مَا الرُّوحُ؟ فَسَكَت، فَقُلْتُ: إنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ فَقُمْتُ، فَلَمَّا انْجَلَى عَنْهُ فقالَ: {ويَسْألُونَكَ عَنْ الروحِ قلِ الرُّوحُ مِنْ أمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتُوا مِنَ العِلْمِ إلَاّ قَلِيلاً} (الْإِسْرَاء: ٨٥) قالَ الأعْمَشُ: هَكَذا فِي قِرَاءَتِنَا.

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهَا بعض آيَة من الْقُرْآن، والْحَدِيث يبين سَبَب نُزُولهَا مَعَ مَا فِيهَا من التَّنْبِيه على أَن علم الرّوح علم قد اسْتَأْثر الله بِهِ وَلم يطلع عَلَيْهِ أحدا، كَمَا قد ذَكرْنَاهُ.

بَيَان رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: قيس بن حَفْص بن الْقَعْقَاع الدَّارمِيّ، أَبُو مُحَمَّد الْبَصْرِيّ، روى عَنهُ أَحْمد بن سعيد الدَّارمِيّ وأبوزرعة وَأَبُو حَاتِم. قَالَ يحيى بن معِين: ثِقَة. وَقَالَ أَحْمد بن عبد الله: لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: شيخ، وَهُوَ شيخ البُخَارِيّ، انْفَرد بِالْإِخْرَاجِ عَنهُ عَن أَئِمَّة الْكتب الْخَمْسَة، وَلَيْسَ فِي مشايخهم من اسْمه قيس سواهُ، توفّي سنة سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: عبد الْوَاحِد بن زِيَاد أَبُو بشر الْبَصْرِيّ. الثَّالِث: سُلَيْمَان بن مهْرَان الْأَعْمَش الْكُوفِي. الرَّابِع: إِبْرَاهِيم بن يزِيد النَّخعِيّ. الْخَامِس: عَلْقَمَة بن قيس النَّخعِيّ. السَّادِس: عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله عَنهُ.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين بصريين وَثَلَاثَة كوفيين. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ ثَلَاثَة من التَّابِعين الْحفاظ المتقنين يروي بَعضهم عَن بعض. وهم: الْأَعْمَش وَإِبْرَاهِيم وعلقمة. وَمِنْهَا: أَن رِوَايَة الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة أصلح الْأَسَانِيد فِيمَا قيل.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه

<<  <  ج: ص:  >  >>