للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَإِن فِي الْآيَتَيْنِ المذكورتين تدافعاً لِأَن فِي إِحْدَاهمَا خلق السَّمَاء قبل الأَرْض، وَفِي الْأُخْرَى بِالْعَكْسِ، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: {وَالسَّمَاء وَمَا بناها} (الشَّمْس: ٥) وَهُوَ فِي سُورَة الشَّمْس، وَقَوله: {وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها} (النازعات: ٠٣) يدل على أَن المُرَاد {أم السَّمَاء بناها} (النازعات: ٧٢) الَّذِي فِي سُورَة والنازعات، الرَّابِع: (وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما) إِلَى قَوْله: ثمَّ مضى، فَإِن قَوْله: (وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما وسميعاً بَصيرًا) يدل على أَنه كَانَ مَوْصُوفا بِهَذِهِ الصِّفَات فِي الزَّمَان الْمَاضِي ثمَّ تغير عَن ذَلِك، وَهُوَ معنى قَوْله: فَكَأَنَّهُ كَانَ ثمَّ مضى. قَوْله: (فَقَالَ: فَلَا أَنْسَاب إِلَى قَوْله وَلَا يتساءلون) جَوَاب عَن سُؤال الأول، أَي قَالَ: فَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْجَواب مَا ملخصه: أَن التساؤل بعد النفخة الثَّانِيَة وَعدم التساؤل قبلهَا، وَعَن السّديّ: أَن نفي المساءلة عِنْد تشاغلهم بالصعق والمحاسبة وَالْجَوَاز على الصِّرَاط وإثباتها فِيمَا عدا ذَلِك. قَوْله: وَأما قَوْله: {مَا كُنَّا مُشْرِكين} إِلَى قَوْله: {يود الَّذين كفرُوا} فَهُوَ جَوَاب عَن السُّؤَال الثَّانِي وَمُلَخَّصه: أَن الكتمان قبل إنطاق الْجَوَارِح وَعَدَمه بعده. قَوْله: (فَعِنْدَ ذَلِك) أَي: عِنْد نطق أَيْديهم. قَوْله: (وَعِنْده يود الَّذين كفرُوا) أَي: وَعند علمهمْ أَن الله لَا يكتم حَدِيثا يود الَّذين كفرُوا هَذَا فِي سُورَة النِّسَاء. وَهُوَ قَوْله: {يومئذٍ يود الَّذين كفرُوا وعصوا الرَّسُول لَو تسوى بهم الأَرْض وَلَا يكتمون الله حَدِيثا} (النِّسَاء: ٢٤) ، أَي: يَوْم الْقِيَامَة يود الَّذين كفرُوا بِاللَّه وعصوا رَسُوله لَو تسوى بهم الأَرْض أَي لَو تسوت بهم الأَرْض وصاروا هم وَالْأَرْض شَيْئا وَاحِدًا، أَو أَنهم لم يكتموا أَمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا نَعته، لِأَن مَا عملوه لَا يخفى على الله تَعَالَى فَلَا يقدرُونَ كِتْمَانه، لِأَن جوارحهم تشهد عَلَيْهِم. قَوْله: {وَخلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ} (فصلت: ٩) إِلَى قَوْله وَخلق السَّمَوَات فِي يَوْمَيْنِ جَوَاب عَن السُّؤَال الثَّالِث ملخصه: أَن خلق نفس الأَرْض قبل السَّمَاء ودحوها بعده، يُقَال: دحوت الشَّيْء دحوا بسطته بسطاً، وَقيل فِي جَوَابه: إِن خلق بِمَعْنى قدر. قَوْله: (ان أخرج) بِأَن أخرج فَإِن مَصْدَرِيَّة. قَوْله: (والآكام) ، جمع أكمة بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الْموضع الْمُرْتَفع من الأَرْض كَالتَّلِّ والرابية، ويروى: والأكوام. جمع كوم قَوْله: {وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما} (النِّسَاء: ٦٩ و ٠٠١ و ٢٥١ وَالْفرْقَان: ٠٧٢ والأحزاب: ٥ و ٠٥ و ٩٥ و ٣٧ وَالْفَتْح: ٤١) . الخ جَوَاب عَن السُّؤَال الرَّابِع، وَمُلَخَّصه: أَنه سمى نَفسه بِكَوْنِهِ غَفُورًا رحِيما، وَهَذِه التَّسْمِيَة مَضَت لِأَن التَّعَلُّق انْقَطع، وَأما معنى الغفورية والرحيمية فَلَا يزَال كَذَلِك لَا يَنْقَطِع، وَأَن الله إِذا أَرَادَ الْمَغْفِرَة أَو الرَّحْمَة أَو غَيرهمَا من الْأَشْيَاء فِي الْحَال أَو الِاسْتِقْبَال فَلَا بُد من وُقُوع مُرَاده قطعا. قَوْله: (سمى نَفسه ذَلِك) ، أَي: سمى الله تَعَالَى ذَاته بالغفور والرحيم وَنَحْوهمَا، وَذَلِكَ قَوْله: (وَإنَّهُ لَا يزَال كَذَلِك لَا يَنْقَطِع وَأَن مَا شَاءَ كَانَ) ، وَقَالَت النُّحَاة: كَانَ لثُبُوت خَبَرهَا مَاضِيا دَائِما، وَلِهَذَا لَا يُقَال: صَار مَوضِع: كَانَ، لِأَن مَعْنَاهُ التجدد والحدوث، فَلَا يُقَال فِي حق الله ذَلِك. قَوْله: (فَلَا يخْتَلف) بِالْجَزْمِ، أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس للسَّائِل الْمَذْكُور: لَا يخْتَلف عَلَيْك الْقُرْآن فَإِنَّهُ من عِنْد الله {وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا} (النِّسَاء: ٢٨) .

حَدَّثَنِيهِ يُوسُفُ بنُ عَدِيّ حَدثنَا عُبَيْدُ الله بنُ عَمْرٍ وَعَنْ زَيْدِ بنِ أنَيْسَةَ عَنِ المِنْهالِ بِهاذَا

أسْند الحَدِيث الْمَذْكُور بعد أَن علقه كَمَا ذَكرْنَاهُ، قَالَ الْكرْمَانِي: لَعَلَّه سمع أَولا مُرْسلا وآخراً مُسْندًا فنقله كَمَا سَمعه، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن الْإِسْنَاد لَيْسَ بِشَرْطِهِ، واستبعد بَعضهم كَلَام الْكرْمَانِي هَذَا، وليت شعري مَا وَجه بعده وَمَا برهانه على ذَلِك؟ بل الظَّاهِر هُوَ الَّذِي ذكره، وَقَول الْكرْمَانِي: وَفِيه إِشَارَة ... إِلَى آخِره يُؤَيّدهُ كَلَام البرقاني حَيْثُ قَالَ: وَلم يخرج البُخَارِيّ ليوسف وَلَا لِعبيد الله بن عَمْرو وَلَا لزيد بن أبي أنيسَة مُسْندًا، سواهُ وَفِي مغايرته سِيَاق الْإِسْنَاد عَن ترتيبه الْمَعْهُود إِشَارَة إِلَى أَنه لَيْسَ على شَرطه، وَإِن صَارَت صورته صُورَة الْمَوْصُول. قَوْله: (حَدَّثَنِيهِ يُوسُف بن عدي) ، وَقع فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ: حَدَّثَنِيهِ عَن يُوسُف، بِزِيَادَة: عَن، وَهُوَ غلط وَلَيْسَ فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: حَدَّثَنِيهِ ... إِلَى آخِره، وَكَذَا سقط من رِوَايَة أبي نعيم عَن الْجِرْجَانِيّ عَن الفريري، وَلَكِن ذكر البرقاني فَقَالَ: قَالَ لي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الأزدستاني: شوهدت نُسْخَة بِكِتَاب: (الْجَامِع) للْبُخَارِيّ فِيهَا على الْحَاشِيَة: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم أخبرنَا يُوسُف بن عدي، فَذكره وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن أَحْمد بن زَنْجوَيْه: أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن خَالِد الرقي: حَدثنَا عبيد الله بن عَمْرو عَن زيد عَن الْمنْهَال. قلت: يُوسُف بن عدي بن زُرَيْق التَّيْمِيّ الْكُوفِي نزيل مصر، وَهُوَ أَخُو زَكَرِيَّاء بن عدي، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلَاّ هَذَا الحَدِيث، وَعبيد الله بن عَمْرو بِالْفَتْح الرقي بالراء وَالْقَاف، مَاتَ سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة، وَزيد بن أبي أنيسَة مصغر الأنسة بالنُّون وَالسِّين الْمُهْملَة الجزيري، سكن الرها، قيل: إسم أبي أنيسَة زيد، وَمَات زيد الرَّاوِي سنة خمس وَعشْرين وَمِائَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>