للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ أحَدٌ يَكُونُ لِلْجَمْعِ وَلِلْوَاحِدِ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَمَا مِنْكُم من أجد عَنهُ حاجزين} (الحاقة: ٧٤) الضَّمِير فِي عَنهُ: يرجع إِلَى الْقَتْل، وَقيل: إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحجزون عَن الْقَاتِل قَالَه النَّسَفِيّ فِي (تَفْسِيره) وغرض البُخَارِيّ فِي بَيَان أَن لفظ: أحد، يصلح للْجمع وللواحد وَذَلِكَ لِأَنَّهُ نكرَة وَقع فِي سِيَاق النَّفْي. قَوْله: (للْجمع) ، ويروى للْجَمِيع.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ الوَتِينَ: نِيَاطَ القَلْبِ

أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى عز وَجل: {ثمَّ لقطعنا مِنْهُ الوتين} (الحاقة: ٦٤) أَي: (نِيَاط الْقلب) بِكَسْر النُّون وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف. وَهُوَ حَبل الوريد إِذا قطع مَاتَ صَاحبه، وَتَعْلِيق ابْن عَبَّاس وَصله ابْن أبي حَاتِم من حَدِيث سُفْيَان عَن عَطاء بن السَّائِب عَن سعيد عَنهُ.

قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: طَغَى كَثُرَ وَيُقَالُ: بِالطَّا غِيَةِ بِطُغْيَانِهِمْ. وَيُقَالُ: طَغَتْ عَلَى الخزانِ كَمَا طَغَى المَاءُ عَلَى قَوْمِ نُوحٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا لما طَغى المَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَة} (الحاقة: ١١) وَفسّر: (طغا) بقوله: (كثر) وَعَن قَتَادَة: طَغى المَاء عتى فَخرج بِلَا وزن وَلَا كيل، وطغا فَوق كل شَيْء خَمْسَة عشر ذِرَاعا وَالْجَارِيَة: السَّفِينَة. قَوْله: (وَيُقَال: بالطاغية) ، هُوَ مصدر نَحْو الجاثية. فَلذَلِك فسره بقوله: (بطغيانهم) وَقيل: الطاغية صفة موصوفها مَحْذُوف تَقْدِيره: وَأما ثَمُود فأهلكوا بأفعالهم الطاغية، يُقَال: طغا يطغو ويطغى طغيانا إِذا جَاوز الْحَد فِي الْعِصْيَان فَهُوَ طاغ وَهِي طاغية، وتستعمل هَذِه الْمَادَّة فِي معَان كَثِيرَة، يُقَال: طغا الرجل إِذا جَاوز الْحَد، وطغا الْبَحْر إِذا هاج، وطغا السَّيْل إِذا كثر مَاؤُهُ، وطغى الدَّم إِذا نبع وَغير ذَلِك، وَهَاهُنَا ذكر أَنه اسْتعْمل لمعان ثَلَاثَة: الأول: بِمَعْنى الْكَثْرَة أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَقَالَ ابْن عَبَّاس: طغا كثر، وَهُوَ فِي قَضِيَّة قوم نوح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَالثَّانِي: بِمَعْنى مُجَاوزَة الْحَد فِي الْعِصْيَان، وَذَلِكَ فِي قَوْله: وَيُقَال بالطاغية. وَقد ذَكرْنَاهُ، وَهُوَ فِي ثَمُود. وَالثَّالِث: بِمَعْنى مُجَاوزَة الرّيح حَده أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَيُقَال: طغت على الْخزَّان، وَهُوَ فِي قَضِيَّة قوم عَاد، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: (وَأما عَاد فأهلكوا برِيح صَرْصَر عَاتِيَة) (الحاقة: ٦) وَقَوله: طغت. أَي: الرّيح خرجت بِلَا ضبط من الْخزَّان وَهُوَ جمع خَازِن، وللريح خزان لَا ترسلها إلَاّ بِمِقْدَار، وَأما عَاد لما عتوا فَأرْسل الله عَلَيْهِم ريحًا عَاتِيَة يَعْنِي اعتت على خزانها فَلم تطعهم، وجاوزت الْحَد وَذَلِكَ بِأَمْر الله تَعَالَى، وَرُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أرسل الله ريحًا إلَاّ بِمِكْيَال، وَلَا قَطْرَة من المَاء إلَاّ بِمِكْيَال، إلَاّ قوم عَاد وَقوم نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، طغيا على الْخزَّان فَلم يكن لَهُم عَلَيْهِمَا سَبِيل. وَقَالَ بَعضهم: لم يظْهر لي فَاعل طغت. لِأَن الْآيَة فِي حق ثَمُود وهم قد أهلكوا بالصيحة، وَلَو كَانَت عادا لَكَانَ الْفَاعِل الرّيح وَهِي لَهَا الْخزَّان انْتهى. قلت: ظهر لغيره مَا لم يظْهر لَهُ لقصوره، وَالْآيَة فِي حق عَاد كَمَا ذَكرْنَاهُ. وهم {أهلكوا برِيح صَرْصَر عَاتِيَة} عنت على خزانها، وَأما ثَمُود فقد أهلكوا بالطاغية، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى، وَقد فسر الْمُفَسِّرُونَ الطاغية بالطغيان وَهُوَ الْمُجَاوزَة عَن الْحَد وَعَن مُجَاهِد وَابْن زيد، أهلكوا بأفعالهم الطاغية، وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى: {كذبت ثَمُود بطغواها} (الشَّمْس: ١١) والطغوى بِمَعْنى الطغيان وَقَول هَذَا الْقَائِل: إِن الْآيَة فِي حق ثَمُود، وهم قد أهلكوا بالصيحة. قَول رُوِيَ عَن قَتَادَة فَإِنَّهُ قَالَ: يَعْنِي: الصَّيْحَة الطاغية الَّتِي جَاوَزت مقادير الصياح، وَكَلَام البُخَارِيّ على قَول غَيره كَمَا ذَكرْنَاهُ فَافْهَم، وَلَو كَانَ مُرَاده على قَول قَتَادَة فَلَا مَانع أَن يكون فَاعل طغت الصَّيْحَة وَيكون الْمَعْنى: خرجت الصَّيْحَة من صائحها وهم خزانها فِي الْحَقِيقَة بِلَا مِقْدَار بِحَيْثُ أَنَّهَا جَاوَزت مقادير الصياح كَمَا فِي قَول قَتَادَة.

وَغِسْلِينٍ: مَا يَسِيلُ مِنْ صَدِيدِ أهْلِ النَّارِ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَا طَعَام إلَاّ من غسلين} (الحاقة: ٦٣) وَفَسرهُ بقوله: (يسيل من صديد أهل النَّار) وَهُوَ قَول الْفراء. قَالَ الثَّعْلَبِيّ: كَأَنَّهُ غسالة جروحهم وقروحهم، وَعَن الضَّحَّاك وَالربيع، هُوَ شجر يَأْكُلهُ أهل النَّار، وَهَذَا ثَبت للنسفي وَحده.

وَقَالَ غَيْرُهُ: مِنْ غِسْلَينٍ: كلُّ شَيْءٍ غَسَلْتَهُ فَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ غَسْلَيْنٌ فِعْلَيْنٌ مِنَ الغَسْلِ مِنَ الجَرْحِ وَالدُّبْرِ

هَذَا أَيْضا للنسفي وَحده. قَوْله: (وَقَالَ غَيره) ، يدل على أَن قبل قَوْله: وغسلين. وَقَالَ الْفراء وَغَيره، وَقد سقط من

<<  <  ج: ص:  >  >>