للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِلَى النِّكَاح، بِخِلَاف الشُّيُوخ. قَوْله: (الْبَاءَة) قد مر تَفْسِير فِي كتاب الصَّوْم، وَلَكِن نذْكر مِنْهُ بعض شَيْء. وَقَالَ النَّوَوِيّ: فِيهَا أَربع لُغَات: الْمَشْهُور بِالْمدِّ وَالْهَاء، وَالثَّانيَِة بِلَا مد، وَالثَّالِثَة بِالْمدِّ بِلَا هَاء، وَالرَّابِعَة بِلَا مد وَأَصلهَا لُغَة الْجِمَاع، ثمَّ قيل: لعقد النِّكَاح، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْبَاء مثل الباعة، لُغَة فِي الْبَاء، وَمِنْه سمي النِّكَاح بَاء وباه، لِأَن الرجل يتبوء من أَهله أَي يستمكن مِنْهَا كَمَا يتبوأ من دَاره. قَوْله: (وَجَاء) بِكَسْر الْوَاو وبالمد، وَهُوَ رض الخصيتين، قيل: عَلَيْهِ إغراء غَائِب، وَهُوَ من النَّوَادِر، وَلَا تكَاد الْعَرَب تغري إلَاّ الْحَاضِر. تَقول عَلَيْك: زيدا، وَلَا تَقول عَلَيْهِ: زيدا، وَفِيه اسْتِحْبَاب عرض الصاحب هَذَا على صَاحبه، وَنِكَاح الشَّابَّة فَإِنَّهَا ألذ استمتاعا وَأطيب نكهة وَأحسن عشرَة وأفكه محادثة وأجمل منْظرًا، وألين ملمسا وَأقرب إِلَى أَن يعودها زَوجهَا الْأَخْلَاق الَّتِي يرتضيها واستحباب الْإِسْرَار بِمثلِهِ.

٣ - (بابٌ: مَنْ لمْ يَسْتَطِع الْباءَةَ فَلْيَصُمْ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نت لن يسْتَطع الْبَاءَة فليصم.

٦٦٠٥ - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ غياثٍ حَدثنَا أبي حَدثنَا الأعْمَشُ قَالَ: حدّثني عُمارَةُ عنْ عبْدِ الرَّحْمانِ بنِ يَزِيدَ، قَالَ: دَخَلْتُ معَ عَلْقمَةَ والأسْوَدِ علَى عبْدِ الله، فَقَالَ عبْدُ الله: كُنّا مَعَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَبابا لَا نجِدُ شَيْئا، فَقَالَ لَنا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا مَعْشَرَ الشَّبابِ مَنِ اسْتَطاعَ الباءَةَ فلْيَتَزَوَّجْ، فإِنّهُ أغضُّ لِلْبَصَرِ وأحْصَنُ لِلْفَرْجِ، ومَنْ لمْ يَسْتَطِعْ فعَلَيْهِ بالصَّوْمِ فإِنّهُ لَهُ وِجاءٌ.

(انْظُر الحَدِيث ٥٠٩١ وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَمن لم يسْتَطع) فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ وَهَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، أخرجه عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن عمَارَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم وبالراء: ابْن عُمَيْر التَّيْمِيّ الْكُوفِي عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد عَن قيس النَّخعِيّ، وعلقمة عَمه وَالْأسود أَخُوهُ يَعْنِي: دخلت مَعَ أخي وَعمي على عبد الله بن مَسْعُود. قَوْله: (أَغضّ) بِمَعْنى الْفَاعِل لَا الْمَفْعُول أَي: أَشد غضا. قَوْله: (وَأحْصن) أَي: أَشد إحصانا لَهُ ومنعا من الْوُقُوع فِي الْفَاحِشَة. قَوْله: (فَإِنَّهُ) أَي فَإِن الصَّوْم. قَوْله: (وَجَاء) جملَة فِي مَحل الرّفْع على الخبرية. وفال النَّوَوِيّ: اخْتلف الْعلمَاء فِي المُرَاد بِالْبَاءَةِ هُنَا على قَوْلَيْنِ: يرجعان إِلَى معنى وَاحِد، أصَحهمَا: أَن المُرَاد مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ وَهُوَ الْجِمَاع، فتقدير من اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْجِمَاع لقدرته على مؤونته وَهِي مُؤَن النِّكَاح فليتزوج، وَمن لم يسْتَطع الْجِمَاع لعَجزه عَن مؤنه فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ ليقطع شَهْوَته يقطع شَرّ منيه كَمَا يقطعهُ الوجاء، وعَلى هَذَا القَوْل وَقع الْخطاب مَعَ الشَّبَاب الَّذين هم مَظَنَّة شَهْوَة النِّسَاء وَلَا ينفكون عَنْهَا غَالِبا. وَالْقَوْل الثَّانِي: إِن المُرَاد هُنَا بِالْبَاءَةِ مُؤَن النِّكَاح، سَمِعت باسم مَا يلازمهما، وَتَقْدِيره: من اسْتَطَاعَ مِنْكُم مُؤَن النِّكَاح فليتزوج، وَمن لم يسْتَطع فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ. قَالُوا: وَالْعَاجِز عَن الْجِمَاع لَا يحْتَاج إِلَى الصَّوْم لدفع الشَّهْوَة، فَوَجَبَ تَأْوِيل الْبَاءَة على الْمُؤَن، وانفصل الْقَائِلُونَ بِالْأولِ عَن ذَلِك بالتقدير الْمَذْكُور. انْتهى. قلت: مفعول (من لم يسْتَطع) مَحْذُوف فَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِهِ. وَمن لم يسْتَطع الْبَاءَة أَو من لم يسْتَطع التَّزَوُّج، وَقد وَقع كل مِنْهُمَا صَرِيحًا فَروِيَ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن يزِيد عَن عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: خرجنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن شباب لَا نقدر على شَيْء فَقَالَ: يَا معشر الشَّبَاب عَلَيْكُم بِالْبَاءَةِ فَإِنَّهُ أَغضّ لِلْبَصَرِ وَأحْصن لِلْفَرجِ. فَمن لم يسْتَطع مِنْكُم الْبَاءَة فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ فَإِن الصَّوْم لَهُ وَجَاء، وَرُوِيَ الْإِسْمَاعِيلِيّ من حَدِيث الْأَعْمَش: من اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يتَزَوَّج فليتزوج، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة النَّسَائِيّ: من كَانَ ذَا طول فَلْيَنْكِح، وَالْحمل على الْمَعْنى الْأَعَمّ أولى بِأَن يُرَاد بِالْبَاءَةِ الْقُدْرَة على الْوَطْء ومؤن التَّزَوُّج. قَوْله: (وَجَاء) وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم: فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاء، وَهُوَ الإخصاء وَهِي زِيَادَة مدرجة فِي الْخَبَر، وَتَفْسِير الوجاء بِالْإِخْصَاءِ فِيهِ نظر، فَإِن الوجاء: رض الانثيين، والإخصاء: قلعهما، وَإِطْلَاق الوجاء على الصّيام من مجَاز المشابهة، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة قَالَ بَعضهم: وَجَاء، بِفَتْح الْوَاو مَقْصُور وَالْأول أَكثر، وَاسْتدلَّ بِهِ الْخطابِيّ على جَوَاز المعالجة لقطع شَهْوَة النِّكَاح بالأدوية، وَحَكَاهُ الْبَغَوِيّ فِي شرح السّنة وَيَنْبَغِي أَن يحمل على دَوَاء يسكن الشَّهْوَة دون مَا يقطعهَا أَصَالَة لِأَنَّهُ قد يقدر بعد فيندم لفَوَات ذَلِك فِي حَقه، وَقد صرح الشَّافِعِيَّة

<<  <  ج: ص:  >  >>