للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَي: هَذَا فِي بَاب بَيَان إِجَابَة الْوَلِيمَة، وَفِي بعض النّسخ: بَاب حق إِجَابَة الْوَلِيمَة، وَقد ذكرنَا فِيمَا مضى عَن قريب أَن الْوَلِيمَة طَعَام الْعرس والأملاك، وَقيل: طَعَام الْعرس خَاصَّة، وَقَالَ أَبُو عمر: أَجمعُوا على وجوب الْإِتْيَان إِلَى الْوَلِيمَة فِي الْعرس، وَاخْتلفُوا فِيمَا سوى ذَلِك.

قَوْله: (والدعوة) ، بِفَتْح الدَّال وَبِضَمِّهَا فِي الْحَرْب، وبكسرها فِي النّسَب، وَعطف الدعْوَة على الْوَلِيمَة من عطف الْعَام على الْخَاص لِأَن الْوَلِيمَة مُخْتَصَّة بِطَعَام الْعرس، وَقد وَردت أَحَادِيث كَثِيرَة فِي إِجَابَة الدعْوَة. مِنْهَا: حَدِيث أبي مُوسَى الْمَذْكُور فِي الْبَاب، وَكَذَا حَدِيث الْبَراء فِيهِ. قَوْله: (وَمن أولم سَبْعَة أَيَّام) ، عطف على قَوْله: إِجَابَة الدعْوَة، أَي: وَفِي بَيَان من أولم سَبْعَة أَيَّام وَنَحْوهَا ... أَي: نَحْو سَبْعَة أَيَّام، وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ: نَحْوهَا، قيل: إِن البُخَارِيّ ترْجم على جَوَاز الْوَلِيمَة سَبْعَة أَيَّام وَلم يَأْتِ فِيهِ بِحَدِيث، فاستدل على جَوَاز سَبْعَة أَيَّام وَنَحْوهَا بِإِطْلَاق الْأَمر بإجابة الدَّاعِي من غير تَقْيِيد، فاندرج فِيهِ السَّبْعَة الْمُدَّعِي أَنَّهَا مَمْنُوعَة. وَقَالَ صَاحب التَّلْوِيح كَأَن البُخَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَرَادَ بقوله: (وَمن أولم سَبْعَة أَيَّام) مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِسَنَد صَحِيح من حَدِيث وهيب عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد: حَدَّثتنِي حَفْصَة أَن سِيرِين عرس بِالْمَدِينَةِ فأولم، فَدَعَا النَّاس سبعا، فَكَانَ فِيمَن دعى أبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ صَائِم فَدَعَا لَهُم بِخَير وَانْصَرف، وَكَذَا ذكره حَمَّاد بن زيد إلَاّ أَنه لم يذكر حَفْصَة فِي إِسْنَاده وَقَالَ معمر عَن أَيُّوب: ثَمَانِيَة أَيَّام، وَالْأول أصح، وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة أَيْضا من طَرِيق حَفْصَة بنت سِيرِين، قَالَت: لما تزوج أبي دَعَا الصَّحَابَة سَبْعَة أَيَّام، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَنْصَار دَعَا أبي بن كَعْب وَزيد بن ثَابت وَغَيرهمَا فَكَانَ أبي صَائِما فَلَمَّا طعموا دَعَا أبي وَأثْنى. قَوْله: (وَلم يُوَقت) أَي: لم يعين النَّبِي الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، للوليمة يَوْمًا لَا يَوْمَيْنِ للْإِيجَاب أَو للاستحباب، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْإِطْلَاق وَيمْنَع التَّحْدِيد إلَاّ بِحجَّة يجب التَّسْلِيم لَهَا. فَإِن قلت: رُوِيَ أَبُو دَاوُد بِسَنَد صَحِيح عَن عبد الله بن عُثْمَان الثَّقَفِيّ عَن رجل أَعور من بني ثَقِيف، كَانَ يُقَال لَهُ زُهَيْر مَعْرُوف أَي: يُثنى عَلَيْهِ خيرا، وَإِن لم يكن اسْمه زُهَيْر بن عُثْمَان فَلَا أَدْرِي مَا اسْمه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْوَلِيمَة أول يَوْم حق، وَالثَّانِي مَعْرُوف، وَالْيَوْم الثَّالِث رِيَاء وسَمعه. انْتهى. فَكيف يَقُول البُخَارِيّ: وَلم يُوَقت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا لَا يَوْمَيْنِ؟ قلت: قَالُوا إِنَّه لم يَصح عِنْده وَقَالَ فِي تَارِيخه الْكَبِير: لَا يَصح إِسْنَاده وَلَا يعرف لَهُ صُحْبَة، وَلما ذكره أَبُو عمر تبع البُخَارِيّ فَقَالَ: فِي إِسْنَاده نظر، يُقَال: إِن حَدِيثه مُرْسل وَلَيْسَ لَهُ غَيره. وَلَكِن قَالَ غَيره: هَذَا حَدِيث صَحِيح سَنَده حسن مَتنه، وَإِذا لم يعرفهُ هُوَ فقد عرفه غَيره، وَقَالَ ابْن حبَان فِي كتاب الصَّحَابَة: لَهُ صُحْبَة، وَذكره فِي جُمْلَتهمْ من غير تردد جمَاعَة كَثِيرَة مِنْهُم ابْن أبي خَيْثَمَة فِي تَارِيخه الْأَوْسَط وَأَبُو أَحْمد العسكري وَالتِّرْمِذِيّ فِي تَارِيخه وَابْن السكن وَابْن قَانِع وَأَبُو عَمْرو الفلاس وَأَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ فِي كِتَابه المخزون والبغويان أَحْمد فِي مُسْنده الْكَبِير وَابْن بنته، وَقَالَ: لَا أعلم لزهير غير هَذَا: وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن مَنْدَه الأصبهانيان وَمُحَمّد بن سعد كَاتب الْوَاقِدِيّ وَذكر غير وَاحِد أَن الْحسن رُوِيَ عَنهُ فَإِن قلت: دخل بَينهمَا عبد الله بن عُثْمَان قلت: لَا يضر ذَلِك لِأَنَّهُ مَعْدُود أَيْضا فِي جملَة الصَّحَابَة عِنْد أبي مُوسَى الْمَدِينِيّ، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الدِّمَشْقِي: أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاسْتشْهدَ باليرموك. فَإِن قلت: رُوِيَ النَّسَائِيّ عَن الْحسن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا. قلت: لَا يضر ذَلِك الحَدِيث لِأَن الْحسن صَاحب فَتْوَى وَفقه، فَرُبمَا يسْأَل عَن شَيْء يكون مُسْندًا فيذكره بِغَيْر سَنَد، وَرُبمَا ينشط فيذكر سَنَده، وَهَذِه عَاده أشباهه من أَصْحَاب الْفَتْوَى، وَلَئِن سلمنَا للْبُخَارِيّ فِي إرْسَاله فالاصطلاح الحديثي: أَن الْمُرْسل إِذا جَاءَ نَحوه مُسْندًا من وَجه آخر قوى حَتَّى لَو عَارضه حَدِيث صَحِيح لَكَانَ الرُّجُوع إِلَيْهِمَا أولى، وَقد مر أَن لمتنه أصلا فَلذَلِك حكمُوا على الْمَتْن بالْحسنِ، من ذَلِك مَا رَوَاهُ عبد الله بن مَسْعُود أَن رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، قَالَ: طَعَام أول يَوْم حق، وَطَعَام يَوْم الثَّانِي سنة، وَطَعَام يَوْم الثَّالِث سمعة وَمن سمع سمع الله بِهِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَانْفَرَدَ بِهِ، وَقَالَ: لَا نعرفه مَرْفُوعا إلَاّ من حَدِيث زِيَاد بن عبد الله وَهُوَ كثير الغرائب والمناكير، وَمِنْه مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْوَلِيمَة أول يَوْم حق، وَالثَّانِي مَعْرُوف، وَالثَّالِث رِيَاء وَسُمْعَة، وَفِي سَنَده عبد الْملك بن حُسَيْن النَّخعِيّ الوَاسِطِيّ تكلم فِيهِ غير وَاحِد، وَمِنْه مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أنس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْوَلِيمَة أول يَوْم حق، وَالثَّانِي مَعْرُوف، وَالثَّالِث رِيَاء وَسُمْعَة، وَقَالَ صَاحب التَّلْوِيح: سَنَده صَحِيح فَإِن قلت: قد قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَيْسَ هَذَا الحَدِيث بقوى وَفِيه بكير بن خُنَيْس تكلمُوا فِيهِ. قلت: أثنى عَلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم أَحْمد بن صَالح

<<  <  ج: ص:  >  >>