للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عطف عَلَيْهِ لفظ السَّكْرَان فيستقيم الْكَلَام وَيكون الْمَعْنى: بَاب حكم الطَّلَاق فِي الإغلاق وَحكم الْمُكْره والسكران إِلَى آخِره، فَهَذِهِ التَّرْجَمَة تشْتَمل على أَحْكَام وَلم يذكرهَا اكْتِفَاء بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذكره.

أما حكم الطَّلَاق فِي الْغَضَب فَإِنَّهُ يَقع، وَفِي رِوَايَة عَن الْحَنَابِلَة إِنَّه لَا يَقع، قيل: وَأَرَادَ البُخَارِيّ بذلك الرَّد على مَذْهَب من يرى أَن الطَّلَاق فِي الْغَضَب لَا يَقع، وَأما حكم الْإِكْرَاه فقد مر، وَأما طَلَاق السَّكْرَان هَل يَقع أم لَا؟ فَإِن النَّاس اخْتلفُوا فِيهِ، فَمِمَّنْ قَالَ: إِنَّه لَا يَقع، عُثْمَان بن عَفَّان وَجَابِر بن زيد وَعَطَاء وطاووس وَعِكْرِمَة وَالقَاسِم وَعمر بن عبد الْعَزِيز، ذكره ابْن أبي شيبَة، وَزَاد ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس وَرَبِيعَة وَاللَّيْث وَإِسْحَاق والمزني، وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيّ، وَذهب مُجَاهِد إِلَى أَن طَلَاقه يَقع، وَكَذَا قَالَه مُحَمَّد وَالْحسن وَسَعِيد بن الْمسيب وَإِبْرَاهِيم بن يزِيد النَّخعِيّ وَمَيْمُون بن مهْرَان وَحميد بن عبد الرَّحْمَن وَسليمَان بن يسَار وَالزهْرِيّ وَالشعْبِيّ وَسَالم بن عبد الله وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري، وَهُوَ قَول مَالك وَأبي حنيفَة، وَاخْتلف فِيهِ قَول الشَّافِعِي، فَأَجَازَهُ مرّة وَمنعه أُخْرَى، وألزمه مَالك الطَّلَاق والقود من الْجراح وَمن الْقَتْل وَلم يلْزمه النِّكَاح وَالْبيع، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: أَقُول السَّكْرَان وعقوده كلهَا ثَابِتَة كَفعل الصاحي إلَاّ الردَّة فَإِذا ارْتَدَّ لَا تبين امْرَأَته اسْتِحْسَانًا، قَالَ أَبُو يُوسُف: يكون مُرْتَدا فِي حَال سكره وَهُوَ قَول الشَّافِعِي إلَاّ إِنَّا لَا نَقْتُلهُ فِي حَال سكره وَلَا نستتيبه، وَأما الْمَجْنُون فالإجماع وَاقع على أَن طَلَاق الْمَجْنُون وَالْمَعْتُوه وَاقع، وقا لمَالِك: وَكَذَلِكَ الْمَجْنُون الَّذِي يفِيق أَحْيَانًا يُطلق فِي حَال جُنُونه والمبرسم قد رفع عَنهُ الْقَلَم لغَلَبَة الْعلم بِأَنَّهُ فَاسد الْمَقَاصِد، وَأما حكم طَلَاق الغالط أَو النَّاسِي فَإِنَّهُ وَاقع، وَهُوَ قَول عَطاء وَالشَّافِعِيّ فِي قَول، وَإِسْحَاق وَمَالك وَالثَّوْري وَابْن أبي ليلى وَالْأَوْزَاعِيّ والكوفيين، وَعَن الْحسن: أَن النَّاسِي كالعامد إلَاّ أَن اشْترط فَقَالَ: إلَاّ أَن أنسي، وَأما المخطىء فَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَنه لَا يَقع طَلَاقه، وَعند الْحَنَفِيَّة إِذا أَرَادَ رجل أَن يَقُول لامْرَأَته شَيْئا فَسبق لِسَانه، فَقَالَ: أَنْت طَالِق، يلْزمه الطَّلَاق.

قَوْله: (وَأَمرهمَا) أَي: أَمر السَّكْرَان وَالْمَجْنُون، أَي: فِي بَيَان أَمرهمَا من أقوالهما وأفعالهما هَل حكمهمَا وَاحِد أَو مُخْتَلف؟ على مَا يَجِيء. قَوْله: (والغلط وَالنِّسْيَان) أَي: وَفِي بَيَان الْغَلَط وَالنِّسْيَان الحاصلين فِي الطَّلَاق، أَرَادَ أَنه لَو وَقع من الْمُكَلف مَا يَقْتَضِي الطَّلَاق غَلطا أَو نِسْيَانا. قَوْله: (والشرك) ، أَي؛ وَفِي بَيَان الشّرك لَو وَقع من الْمُكَلف مَا يَقْتَضِي الشّرك غَلطا أَو نِسْيَانا هَل يحكم عَلَيْهِ بِهِ؟ وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) وَقع فِي كثير من النّسخ: وَالنِّسْيَان فِي الطَّلَاق والشرك بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء فَهُوَ خطأ وَالصَّوَاب فِي الشَّك، مَكَان الشّرك. قلت: سبقه بِهَذَا ابْن بطال حَيْثُ قَالَ: وَقع فِي كثير من النّسخ. وَالنِّسْيَان فِي الطَّلَاق والشرك وَهُوَ خطأ، وَالصَّوَاب: وَالشَّكّ مَكَان الشّرك، وَأما طَلَاق الْمُشرك فجَاء عَن الْحسن وَقَتَادَة وَرَبِيعَة أَنه لَا يَقع، وَنسب إِلَى مَالك وَدَاوُد، وَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَنه يُوقع كَمَا يَصح نِكَاحه وعتقه وَغير ذَلِك من أَحْكَامه. قَوْله: (وَغَيره) قَالَ بَعضهم: أَي: وَغير الشّرك مِمَّا هُوَ دونه. قلت: لَيْسَ مَعْنَاهُ كَذَا، وَإِنَّمَا الْمَعْنى: وَغير الْمَذْكُور من الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة نَحْو الْخَطَأ وَسبق اللِّسَان والهزل، وَقد ذكرنَا الْآن حكم الْخَطَأ وَسبق اللِّسَان، وَأما حكم الهازل فِي طَلَاقه ونكاحه ورجعته فَإِنَّهُ يُؤْخَذ بِهِ، وَلَا يلْتَفت إِلَى قَوْله: (كنت هازلاً) وَلَا يدين أَيْضا فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى، وَذَلِكَ لما روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث جدهن جد وهزلهن جد: النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالرَّجْعَة، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاعْلَم أَنه ذكر هَذِه الْأَشْيَاء وَلم يذكر مَا الْجَواب فِيهَا اكْتِفَاء بقوله.

لقَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الأعْمَالُ بالنِّيَّةِ ولِكُلِّ امْرىءٍ مَا نَوى

أَشَارَ بِهَذَا الحَدِيث الصَّحِيح الَّذِي سبق ذكره فِي أول الْكتاب على اخْتِلَاف الْأَلْفَاظ فِيهِ أَن الِاعْتِبَار فِي الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة النِّيَّة، لِأَن الحكم فِي الأَصْل إِنَّمَا يتَوَجَّه على الْعَاقِل الْمُخْتَار الْعَامِد الذاكر وَالْمكْره غير مُخْتَار والسكران غير عَاقل فِي سكره، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُون فِي حَال جُنُونه، والغالط وَالنَّاسِي غير ذاكرين، وَقد ذكرنَا الْأَحْكَام فِيهَا مستقصاة.

وتلَا الشَّعْبِيُّ: { (٢) لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا} (الْبَقَرَة: ٦٨٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>