للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِكِتَابَة، وَعند الكشيهني: بِكِتَاب، بِدُونِ التَّاء إِذا فهم الْكِتَابَة. قَوْله: (أَو إِشَارَة) أَي: أَو قذفه بِإِشَارَة مفهمة أَو إِيمَاء مفهم أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: (مَعْرُوف) وَقيد بِهِ لِأَنَّهُ إِذا لم يكن مَعْرُوفا مِنْهُ ذَلِك لَا يبْنى عَلَيْهِ حكم. وَالْفرق بَين الْإِشَارَة والإيماء بِأَن الْمُتَبَادر إِلَى الذِّهْن فِي الِاسْتِعْمَال إِن الْإِشَارَة بِالْيَدِ والإيماء بِالرَّأْسِ أَو الجفن وَنَحْوه. قَوْله: (فَهُوَ كالمتكلم) جَوَاب: (فَإِذا قذف) أَي: فَحكمه حكم الْمُتَكَلّم، يَعْنِي: حكم النَّاطِق بِهِ، وَإِنَّمَا أَدخل الْفَاء لتضمن إِذا معنى الشَّرْط، وَهُوَ قَوْله: مَعْرُوف، وَهُوَ وَإِن كَانَ صفة لقَوْله أَو إِيمَاء، بِحَسب الظَّاهِر وَلكنه فِي نفس الْأَمر يرجع إِلَى الْكل لِأَنَّهُ إِذا لم يفهم الْكِتَابَة أَو الْإِشَارَة أَو الْإِيمَاء لَا يبْنى عَلَيْهِ حكم، ثمَّ إِنَّه إِذا كَانَ كالمتكلم يكون قذفه بِهَذِهِ الْأَشْيَاء مُعْتَبر فيترتب عَلَيْهِ اللّعان وَحكمه. قَوْله: (لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى الِاسْتِدْلَال بِمَا ذكره بَيَانه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (قد أجَاز الْإِشَارَة فِي الْفَرَائِض) أَي: فِي الْأُمُور الْمَفْرُوضَة كَمَا فِي الصَّلَاة فَإِن الْعَاجِز عَن غير الْإِشَارَة يُصَلِّي بِالْإِشَارَةِ قَوْله: (وَهُوَ قَول بعض أهل الْحجاز) أَي: مَا ذكر من قذف الْأَخْرَس ... إِلَى آخِره قَول بعض أهل الْحجاز، وَأَرَادَ بِهِ الإِمَام مَالِكًا وَمن تبعه فِيمَا ذهب إِلَيْهِ. قَوْله: (وَأهل الْعلم) أَي: وَبَعض أهل الْعلم من غير أهل الْحجاز، وَمِمَّنْ قَالَ من أهل الْعلم وَأَبُو ثَوْر فَإِنَّهُ ذهب إِلَى مَا قَالَه مَالك. قَوْله: (قَالَ الله تَعَالَى: {فاشارت إِلَيْهِ} ) (مَرْيَم: ٩٢) إِلَى قَوْله: (إلَاّ إِشَارَة) اسْتِدْلَال من البُخَارِيّ لقَوْل بعض أهل الْحجاز بقوله تَعَالَى: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} أَي: أشارت مَرْيَم إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقَالَت لقومها بِالْإِشَارَةِ لما قَالُوا لَهَا: {لقد جِئْت شَيْئا فريا} (مَرْيَم: ٧٢) كلموا عِيسَى وَهُوَ فِي المهد {قَالُوا كَيفَ نُكَلِّم من كَانَ فِي المهد صَبيا} (مَرْيَم: ٩٢) فعرفوا من إشارتها مَا كَانُوا عرفوه من نطقها. قَوْله: (وَقَالَ الضَّحَّاك إِلَّا رمزاً إلَاّ إِشَارَة) هَذَا اسْتِدْلَال آخر بقوله تَعَالَى: {آيتك أَلا تكلم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام إلَاّ رمزاً} (آل عمرَان: ١٤) وَحكى عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم قَالَ بَعضهم: كَذَا ابْن مُزَاحم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الضَّحَّاك بن شرَاحِيل الْهَمدَانِي التَّابِعِيّ الْمُفَسّر، قلت: الضَّحَّاك بن مُزَاحم أَبُو الْقَاسِم الْهِلَالِي الْخُرَاسَانِي كَانَ يكون بسمرقند وبلخ ونيسابور، روى عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة: ابْن عَبَّاس وَابْن عَمْرو وَزيد بن أَرقم وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَلم يثبت سَمَاعه مِنْهُم، وَوَثَّقَهُ يحيى بن معِين، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: ثِقَة كُوفِي مَاتَ سنة خمس وَمِائَة، وروى لَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، وَفسّر قَوْله: (إلَاّ رمزاً) ، بقوله: (إلَاّ إِشَارَة) وَلَوْلَا أَنه يفهم مِنْهَا مَا يفهم من الْكَلَام لم يقل الله عز وَجل لَا تكلمهم إلَاّ رمزاً، وَهَذَا فِي قَضِيَّة زَكَرِيَّا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلما قَالَ الله تَعَالَى: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نبشرك بِغُلَام اسْمه يحيى} (مَرْيَم: ٧) . فَقَالَ: يَا رب {أَنى يكون لي غُلَام} إِلَى قَوْله: قَالَ رَبِّ اجْعَل لِىءَايَةً قَالَءَايَتُكَ أَلَاّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} (مَرْيَم: ٨ ٠١) وَذكر فِي سُورَة آل عمرَان قَالَ: {آيتك أَلا تكلم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا رمزا} (آل عمرَان: ١٤) وَفَسرهُ الضَّحَّاك بقوله: (إلَاّ إِشَارَة) قَوْله: (وَقَالَ بعض النَّاس) أَرَادَ بِهِ الْكُوفِيّين لِأَنَّهُ لما فرغ من الِاحْتِجَاج لكَلَام أهل الْحجاز شرع فِي بَيَان قَول الْكُوفِيّين فِي قذف الْأَخْرَس. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: بعض النَّاس، يُرِيد بِهِ الْحَنَفِيَّة، حَيْثُ قَالُوا لَا حدّ على الْأَخْرَس لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَار لقذفه وَلَا لعان عَلَيْهِ، وَقَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) : قذف الْأَخْرَس لَا يتلق بِهِ اللّعان لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بِالصَّرِيحِ كَحَد الْقَذْف، ثمَّ قَالَ: وَلَا يعْتد بِالْإِشَارَةِ فِي الْقَذْف لِانْعِدَامِ الْقَذْف صَرِيحًا. ثمَّ قَالَ: وَطَلَاق الْأَخْرَس وَاقع بِالْإِشَارَةِ لِأَنَّهَا صَارَت معهودة، فأقيمت مقَام الْعبارَة دفعا للْحَاجة. قَوْله: (ثمَّ زعم. .) الخ أَي: ثمَّ زعم بعض النَّاس وَأَرَادَ بهم الْحَنَفِيَّة، وَقيل: ثمَّ زعم، أَي: أَبُو حنيفَة، لِأَن مُرَاده من قَوْله: وَقَالَ بعض النَّاس، هُوَ أَبُو حنيفَة، وَأَشَارَ بِهَذَا الْكَلَام إِلَى أَن مَا قَالَه الْحَنَفِيَّة من ذَلِك تحكم لأَنهم قَالُوا: إِلَّا اعْتِبَار لقذف الْأَخْرَس واعتبروا طَلَاقه، فَهُوَ فرق بِدُونِ الِافْتِرَاق وَتَخْصِيص بِلَا اخْتِصَاص، وأجابت الْحَنَفِيَّة: بِأَن صِحَة الْقَذْف تتَعَلَّق بِصَرِيح الزِّنَا دون مَعْنَاهُ، وَهَذَا لَا يحصل من الْأَخْرَس ضَرُورَة فَلم يكن قَاذِفا، والشبهة تدرأ الْحُدُود. قَوْله: (وَلَيْسَ بَين الطَّلَاق وَالْقَذْف فرق) . من كَلَام البُخَارِيّ، وَدَعوى عدم الْفرق بَينهمَا مَمْنُوعَة لِأَن لفظ الطَّلَاق صَرِيح فِي أَدَاء مَعْنَاهُ، بِخِلَاف الْقَذْف فَإِنَّهُ إِن لم يكن فِيهِ التَّصْرِيح بِالزِّنَا لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شَيْء، وَالْفرق بَينهمَا ظَاهر لفظا وَمعنى. قَوْله: (فَإِن قَالَ: الْقَذْف لَا يكون إلَاّ بِكَلَام؟) أَي: فَإِن قَالَ ذَلِك الْبَعْض الْمَذْكُور فِي قَوْله: وَقَالَ بعض النَّاس، هَذَا سُؤال يُورِدهُ البُخَارِيّ من جِهَة الْبَعْض من النَّاس على قَوْله: فَإِذا قذف الْأَخْرَس. . الخ، بَيَان السُّؤَال، إِذا قَالُوا: الْقَذْف لَا يكون إلَاّ بِكَلَام وَقذف الْأَخْرَس لَيْسَ بِكَلَام فَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ حدّ وَلَا لعان، ثمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>