للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وضل سعيي فِيمَا تقدم.

فَإِن قلت: مَا وَجه قَول سعد: مَا لنا طَعَام إلَاّ ورق الحبلة، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرفع مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْهِ من النَّضِير وفدك قوته وقوته عِيَاله لسنة؟ وَأَنه كَانَ يُعْطي الأعطية الَّتِي لَا يذكر مثلهَا عَمَّن تقدم من الْمُلُوك مَعَ كَونه بَين أَرْبَاب الْأَمْوَال الْعِظَام كَأبي بكر وَعُثْمَان وشبههما؟ وَكَذَلِكَ قَول عَائِشَة: مَا شبع آل مُحَمَّد مُنْذُ قدم الْمَدِينَة. من طَعَام الْبر ثَلَاث لَيَال حَتَّى قبض وَشبهه مِمَّا جَاءَ مثل ذَلِك؟ قلت: وَقَالَ الطَّبَرِيّ، رَحمَه الله كَانَ ذَلِك حينا بعد حِين لِأَن من كَانَ مِنْهُم ذَا مَال كَانَ مُسْتَغْرقا فِي نَوَائِب الْحُقُوق ومواساة الضيفان حَتَّى يقل كَثِيره أَو يذهب جَمِيعه، فَغير مستنكر لَهُم ضيق الْحَال الَّتِي يَحْتَاجُونَ مَعهَا إِلَى الاستسلاف وأكلهم الحبلة كَمَا قَالَ سعد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأما قَول عَائِشَة فوجهه أَن الْبر كَانَ قَلِيلا عِنْدهم فَغير نَكِير أَن يُؤثر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل بَلَده من الشّعير وَالتَّمْر، وَيكرهُ أَن يخص نَفسه بِمَا لَا سَبِيل للْمُسلمين إِلَيْهِ من الْغذَاء، وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَه بأخلاقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَأما مَا رُوِيَ من أَنه لم يشْبع من خبز الشّعير، فَإِن ذَلِك لم يكن لعوز وَلَا لضيق فِي غَالب أَحْوَاله. لِأَن الله تَعَالَى أَفَاء عَلَيْهِ قبل وَفَاته بِلَاد الْعَرَب كلهَا وَنقل إِلَيْهِ الْخراج من أَكثر بِلَاد الْعَجم، وَلَكِن بعضه لَا يثار نَوَائِب الْحق، وَبَعضه كَرَاهِيَة مِنْهُ للشبع وَكَثْرَة الْأكل. فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ لسعد أَن يمدح نَفسه، وَمن شَأْن الْمُؤمن التَّوَاضُع؟ قلت: إِذا اضْطر الْمَرْء إِلَى التَّعْرِيف بِنَفسِهِ حسن، قَالَ الله عز وَجل حاكيا عَن يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام {إِنِّي حفيظ عليم} (يُوسُف: ٥٥) .

٥٤١٣ - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا يَعْقُوبُ عَنْ أبِي حَازِمٍ قَالَ: سَألْتُ سَهْلَ بنَ سَعْدٍ فَقُلْتُ: هَلْ أكَلَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، النَّقِيَّ؟ فَقَالَ سَهْلٌ: مَا رَأى رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّقِيَّ مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ الله حَتَّى قَبَضَهُ الله. قَالَ: فَقُلْتُ: هَلْ كَانَتْ لَكُمْ فِي عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَنَاخِلُ؟ قَالَ: مَا رَأى رَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْخُلاً مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ الله حَتَّى قَبَضَهُ الله. قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِير غَيْرَ مَنْخُولٍ؟ قَالَ: كُنَّا نَطْحَنُهُ وَنَنْفُخُهُ فَيَطِيرُ مَا طَارَ وَمَا بَقِيَ ثَرَّيْناهُ فَأكَلْناهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. لِأَن فِيهِ بَيَان مَا كَانَ يَأْكُلُونَهُ. وَيَعْقُوب هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن الْقَارِي، من القارة، حَلِيف بني زهرَة وَأَبُو حَازِم، وَهُوَ سَلمَة بن دِينَار رَاوِي رِوَايَة سهل، كَمَا أَن سُلَيْمَان رَاوِي رِوَايَة أبي هُرَيْرَة.

والْحَدِيث مضى عَن قريب.

قَوْله: (مناخل) ، جمع منخل. قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ الغربال. قلت: المنخل غير الغربال. لِأَن الغربال يغربل بِهِ الْقَمْح وَالشعِير وَنَحْوهمَا، والمنخل مَا ينخل بِهِ الدَّقِيق، وَهُوَ أحد مَا جَاءَ من الأدوات على مفعل بِضَم الْمِيم. قَوْله: (ثريناه) ، بتَشْديد الرَّاء من ثريت السويق إِذا بللته بِالْمَاءِ، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى عجنه وخبزه، كَذَا قَالَه بَعضهم، وَهُوَ خلاف مَا قَالَه أهل اللُّغَة، وَلَيْسَ المُرَاد هُنَا العجن وَلَا الْخبز، وَإِنَّمَا المُرَاد أَنهم كَانُوا إِذا طحنوا الشّعير يَأْخُذُونَ دقيقه وينفخونه فيطير مِنْهُ القشور وَمَا بَقِي يرشون عَلَيْهِ المَاء ثمَّ يَأْكُلُونَهُ، وَكَذَا قَالَ ابْن الْأَثِير فِي قَوْله: (فَأتى بالسويق فَأمر بِهِ فثرى) أَي: بل بِالْمَاءِ من ثرى التُّرَاب يثريه تثرية إِذا رش عَلَيْهِ المَاء. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: ثريت السويق بللته، وثريت الْموضع تثرية إِذا رششته، وَقَالَ أَيْضا: الثرى التُّرَاب الندي.

٥٤١٤ - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ أخبرَنا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ حدَّثنا ابنُ أبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ المَغِيرِيِّ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ الله عَنْهُ، أنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ بَيْنَ أيْدِيهِمْ شَاةٌ مَصْلِيَةٌ. فَدَعَوْهُ فَأبَى أنْ يَأْكُلَ. قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَشْبَعْ مِنَ الخُبْزِ الشَّعِيرِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن أَبَا هُرَيْرَة استحضر حِينَئِذٍ مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فِي ضيق من الْعَيْش، فَلذَلِك ترك من الْأكل من تِلْكَ الشَّاة الَّتِي كَانَت بَين يَدي الْقَوْم، وَالْحَال أَنهم دَعوه، وَلَيْسَ هَذَا بترك الْإِجَابَة لِأَنَّهُ فِي طَعَام الْوَلِيمَة لَا فِي كل طَعَام.

وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وَابْن أبي ذِئْب وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذِئْب بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور، وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي سعيد وَاسم أَبِيه أبي سعيد كيسَان الْمدنِي مولى بني لَيْث، وَإِنَّمَا سمى بالمقبري لِأَنَّهُ كَانَ يسكن بِالْقربِ من

<<  <  ج: ص:  >  >>