للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أعجل ذَبحهَا لِئَلَّا تَمُوت حتفا، وَوجه الْخطابِيّ وَجها آخر وَهُوَ: ائزز، من أزز الرجل إصبعه فِي الشَّيْء إِذا أدخلها فِيهِ، وأززت الجرادة إِذا أدخلت ذنبها فِي الأَرْض وادّعى أَن غَيره تَصْحِيف وَأَن هَذَا هُوَ الصَّوَاب.

قلت: قد أَطَالَ الشُّرَّاح هُنَا كلَاما كثيرا أَكْثَره على خلاف الْقَوَاعِد الصرفية، وَلم يذكر أحد مِنْهُم كَيفَ أَعْرَاب: مَا أنهر الدَّم، فَنَقُول بعون الله وتوفيقه: هُنَا أوجه.

الْوَجْه الأول: رِوَايَة كَرِيمَة أرن بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الرَّاء وَسُكُون النُّون على وزن: إفل لِأَن عين الْفِعْل حذفت فِي الْأَمر لِأَنَّهُ أَمر من أران يرين، وَالْأَمر: أرن كأطع من أطَاع يُطِيع، يُقَال: أرأنت الْقَوْم إِذا هَلَكت مَوَاشِيهمْ وَالْمعْنَى، هُنَا أهلك الَّذِي تذبحه بِمَا أنهر الدَّم وحرف الصِّلَة مَحْذُوف.

وَالْوَجْه الثَّانِي: رِوَايَة أبي ذَر: أرن، بِسُكُون الرَّاء وَكسر النُّون قَالَ بَعضهم: بِوَزْن أعْط بِمَعْنى أَدَم الحز من قَوْلك: رنوت إِذا أدمت النّظر إِلَى الشَّيْء. قلت: هَذَا غلط فَاحش لِأَن رنوت من بَاب رنا يرنو رنوا من بَاب نصر ينصر وَالْأَمر فِيهِ لَا يَأْتِي أَلا ارن بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء مثل انصر وَلَيْسَ هُوَ الْأَمر من أَرِنِي يرني من بَاب أفعل، وَالْأَمر مِنْهُ أرن، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء وَكسر النُّون، وَالْمعْنَى على هَذَا: أنظر مَا أنهر الدَّم إِلَى الَّذِي تذبحه فَيكون مَحل مَا أنهر الدَّم، نصبا على أَنه مفعول: أنظر من الإنظار.

الْوَجْه الثَّالِث: رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَرِنِي، هُوَ مثل مَا قبله غير أَن النُّون لما أشبعت بالكسرة تولدت مِنْهَا الْيَاء.

الْوَجْه الرَّابِع: مَا قَالَ الْخطابِيّ، وَهُوَ ائزز، بِكَسْر الْهمزَة الأولى وَسُكُون الثَّانِيَة وَفتح الزَّاي الأولى إِن كَانَ من بَاب: أزز مثل علم فَلَا يَجِيء الْأَمر مِنْهُ إِلَّا أئزز مثل اعْلَم، وَإِن كَانَ من أزز الشَّيْء من بَاب نصر ينصر يكون الْأَمر مِنْهُ أؤزز، بِضَم الْهمزَة الأولى وَسُكُون الثَّانِيَة وَضم الزَّاي الأولى فَمَعْنَى الْبَاب الأول الإغراء والتهييج، وَمعنى الْبَاب الثَّانِي: ضم بعض الشَّيْء إِلَى بعض.

٢٤ - (بَابُ: {النَّحْرِ وَالذَّبْحِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان النَّحْر وَالذّبْح، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر. والذبائح، وَقَالَ بَعضهم: الذَّبَائِح بِصِيغَة الْجمع وَكَأَنَّهُ جمع بِاعْتِبَار أَنه الْأَكْثَر. قلت: كل أحد يعرف أَن صِيغَة الذَّبَائِح صِيغَة جمع، وَقَوله: وَكَأَنَّهُ إِلَى آخِره يشْعر بِأَن الذَّبَائِح جمع ذبح وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ جمع ذَبِيحَة، وَمَعَ هَذَا ذكره بِصِيغَة الْجمع لَا طائل تَحْتَهُ بل قَوْله: وَالذّبْح أحسن مَا يكون لِأَنَّهُ مصدر يعم كل ذبح فِي كل ذَبِيحَة، وَقَالَ ابْن التِّين: الأَصْل فِي الْإِبِل النَّحْر، وَفِي الشَّاة وَنَحْوهَا الذّبْح، وَأما الْبَقر فجَاء فِي الْقُرْآن ذكر ذَبحهَا وَفِي السّنة ذكر نحرها، وَاخْتلف فِي نحر مَا يذبح وَذبح مَا ينْحَر، فَأَجَازَهُ الْجُمْهُور وَمنعه ابْن الْقَاسِم، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: رُوِيَ عَن أبي حنيفَة وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَمَالك وَالشَّافِعِيّ جَوَاز ذَلِك إلَاّ أَنه يكره، وَقَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر: لَا يكره وَهُوَ قَول عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة وَقَالَ أَشهب: إِن ذبح بَعِيرًا من غير ضَرُورَة لَا يُؤْكَل.

{وَقَالَ ابنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: لَا ذَبْحَ وَلا مَنْحَرَ إلَاّ فِي المَذْبَحِ وَالمَنْحَرِ. قُلْتُ: أيَجِزىء مَا يُذْبَحُ أنْ أنْحَرَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، ذَكَرَ الله ذَبْحَ البَقَرَةِ فَإنْ ذَبَحْتَ شَيْئا يَنْحَرُ جَازَ وَالنَّحْرُ أحَبُّ إلَيَّ، وَالذَّبْحُ قَطْعُ الأوْدَاجِ. قُلْتُ: فَيُخَلَّفُ الأوْدَاجُ حَتَّى يَقْطَعَ النِّخاعَ. قَالَ: لَا إخَالُ وَأخْبَرنِي نَافِعٌ أنَّ ابنَ عُمَرَ: نَهَى عَنِ النَّخْع، يَقُولُ: يَقْطَعُ مَا دُونَ العَظْمِ ثُمَّ يَدَعُ حَتَّى تَمُوتَ}

ابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح. قَوْله: (لَا ذبح وَلَا نحر إلَاّ فِي المذبح والمنحر) ، هَذَا لف وَنشر على التَّرْتِيب، فالذبح والنحر مصدران والمذبح والمنحر اسْم مَكَان الذّبْح والنحر. قَوْله: (قلت) ، الْقَائِل هُوَ ابْن جريج. قَوْله: (أيجزىء) ، من الْإِجْزَاء. قَوْله: (مَا يذبح) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (أَن أنحر) على صِيغَة نفس الْمُتَكَلّم وَحده. قَوْله: (ذكر الله) فعل وفاعل. وَذبح الْبَقَرَة بِالنّصب مَفْعُوله. وَهُوَ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تذبحوا بقرة} وروت عمْرَة عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَت: دخل علينا يَوْم النَّحْر بِلَحْم فَقيل: نحر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن أَزوَاجه الْبَقر فَجَاز فِيهَا الْوَجْهَانِ. قَوْله: (فَإِن ذبحت) ، شَيْئا خطاب من عَطاء لِابْنِ جريج. قَوْله: (ينْحَر) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (والنحر أحب إليَّ) ، من كَلَام عَطاء وإليَّ بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (وَالذّبْح قطع الْأَوْدَاج) ، تَفْسِير الذّبْح، والأوداج جمع ودج بِفَتْح

<<  <  ج: ص:  >  >>