للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تجتفئوا بقلاً) ، أَي: لم تقلوه وترموا بِهِ من جفات الْقدر إِذا رمت مَا يجْتَمع على رَأسهَا من الزّبد والوسخ، ومادته جِيم وَفَاء وهمزة: (فشأنكم بهَا) أَي: الْميتَة اسْتَمْتعُوا بهَا غير مضيق عَلَيْكُم، والشأن فِي الأَصْل الْخطب وَالْحَال وَالْأَمر، وانتصابه بإضمار فعل قَوْله: (صبوح أَو غبوق) أُرِيد بالصبوح الْغَدَاة وبالغبوق الْعشَاء. قَوْله: (عَن الفجيع العامري) بِالْفَاءِ وَالْجِيم وَالْعين الْمُهْملَة، قَالَ أَبُو عمر: الفجيع ابْن عبد الله بن جندح العامري من بني عَامر بن صعصعة سكن الْكُوفَة رُوِيَ عَنهُ وهب ابْن عقبَة الْبكالِي.

قَوْله: (لقَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كلوا من طَيّبَات} إِلَى قَوْله: {فَلَا أَثم عَلَيْهِ} (الْبَقَرَة: ١٧٢، ١٧٣) آيتان من سُورَة الْبَقَرَة اسْتدلَّ البُخَارِيّ بِذكر هَذِه الْآيَات الْمَذْكُورَة فِي أكل الْمُضْطَر الَّذِي وَضعه تَرْجَمَة فَلذَلِك قَالَ: (لقَوْله تَعَالَى) بلام التَّعْلِيل، وَتَمام الْآيَتَيْنِ: {إِن الله غَفُور رَحِيم} وَلم يذكر فِي رِوَايَة أبي ذَر إلَاّ إِلَى قَوْله: (فَلَا إِثْم عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة ذكر آخر الْآيَة. وَهُوَ قَوْله: (إِن الله غَفُور رَحِيم) قَوْله: (من طَيّبَات) أَي: من حلالات مَا رزقناكم. قَوْله: (إِن كُنْتُم إِيَّاه تَعْبدُونَ) أَي: توحدون يَعْنِي: إِن كُنْتُم مُؤمنين بِاللَّه فاشكروا لَهُ فَإِن الْإِيمَان يُوجب ذَلِك، وَهُوَ من شَرَائِطه وَهُوَ مَشْهُور فِي كَلَامهم، يَقُول الرجل لصَاحبه الَّذِي قد عرف أَنه يُحِبهُ: إِن كنت محبا لي فافعل كَذَا فَيدْخل حرف الشَّرْط فِي كَلَامه تحريكا لَهُ على مَا يَأْمر بِهِ وإعلاما لَهُ بِأَن ذَلِك من شَرَائِط الْمحبَّة. وَقيل: إِن كُنْتُم عازمين على الثَّبَات فاشكروا لَهُ فَإِن ترككم الشُّكْر يخرجكم عَنهُ. قَوْله: (إِنَّمَا حرم عَلَيْكُم الْميتَة) ذكر هُنَا أَرْبَعَة أَشْيَاء وَلم يذكر سَائِر الْمُحرمَات لأَنهم كَانُوا يسْتَحلُّونَ هَذِه الْأَشْيَاء فَبين الله عز وَجل أَنه حرمهَا ثمَّ أَبَاحَ التَّنَاوُل مِنْهَا عِنْد الضَّرُورَة وَعند فقد غَيرهَا من الْأَطْعِمَة. فَقَالَ: (فَمن اضْطر غير بَاغ وَلَا عَاد) أَي: فِي غير بغي وَلَا عدوان، وَهُوَ مُجَاوزَة الْحَد (فَلَا إِثْم عَلَيْهِ) فِي أكل ذَلِك (إِن الله غَفُور رَحِيم) قَالَ مُجَاهِد: (فَمن اضْطر غير بَاغ وَلَا عَاد) قَاطعا للسبيل أَو مفارقا للأئمة أَو خَارِجا فِي مَعْصِيّة الله فَلَا رخصَة لَهُ، وَإِن اضْطر إِلَيْهِ، وَكَذَا رُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير، وَقيل: غير بَاغ فِي أكلهَا وَلَا مُتَعَدٍّ فِيهِ من غير ضَرُورَة، وَقيل: غير مستحل لَهَا وَلَا عَاد متزود مِنْهَا. وَقيل: غير بَاغ فِي أكلهَا شَهْوَة وتلذذا وَلَا عَاد وَلَا يَأْكُل حَتَّى يشْبع وَلَكِن يَأْكُل مَا يمسك رمقه، وَقيل: عَاد. أَي: عَائِد فَهُوَ من المقلوب كشاكي السِّلَاح أَصله: شائك وَمعنى: الْإِثْم هُوَ أَن يَأْكُل مِنْهَا فَوق الشِّبَع.

وَاخْتلف فِي: الشِّبَع وسد الرمق والتزود، فَقَالَ مَالك: أحسن مَا سَمِعت فِي الْمُضْطَر أَنه يشْبع ويتزود فَإِذا وجد غنى عَنْهَا طرحها. وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ وَرَبِيعَة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي قَول: لَا يَأْكُل مِنْهَا إلَاّ مِقْدَار مَا يمسك الرمق وَالنَّفس، وَحكى الدَّاودِيّ قولا إِنَّه يَأْكُل مِنْهَا ثَلَاث لقم، وَقيل: إِن تغدى لَا يتعشى وَإِن تعشى لَا يتغدى قَوْله: {فَمن اضْطر فِي مخمصه} ، (الْمَائِدَة: ٣) الْآيَة فِي سُورَة الْمَائِدَة، وَقَبله: {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا فَمن اضْطر فِي مَخْمَصَة غير متجانف لإثم فَإِن الله غَفُور رَحِيم} (الْمَائِدَة: ٣) قَوْله: (غير متجانف) أَي: غير منحرف إِلَيْهِ كَقَوْلِه: (غير بَاغ وَلَا عَاد فَإِن الله غَفُور رَحِيم) لَا يُؤَاخذ بذلك.

قَوْله: (فَكُلُوا مِمَّا ذكر اسْم الله عَلَيْهِ) ، إِلَى قَوْله: {هُوَ أعلم بالمعتدين} (الْأَنْعَام: ١١٩) فِي سُورَة الْأَنْعَام. قَوْله: (فَكُلُوا مِمَّا ذكر اسْم الله عَلَيْهِ) ، إِبَاحَة من الله لِعِبَادِهِ الْمُؤمنِينَ أَن يَأْكُلُوا من الذَّبَائِح مَا ذكر اسْم الله عَلَيْهِ، مفهومة أَنه لَا يُبَاح مَا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ، ثمَّ ندب إِلَى الْأكل مِمَّا ذكر اسْم الله عَلَيْهِ فَقَالَ: (مَا لكم أَن لَا تَأْكُلُوا مِمَّا ذكر اسْم الله عَلَيْهِ وَقد فصل لكم) أَي: بَين لكم (مَا حرم عَلَيْكُم) ووضحه بقوله: (إِلَّا مَا اضطررتم إِلَيْهِ) أَي: إلَاّ فِي حَال الِاضْطِرَار فَإِنَّهُ يُبَاح لكم مَا وجدْتُم ثمَّ بيّن جَهَالَة الْمُشْركين فِي آرائهم الْفَاسِدَة من استحلالهم الميتات فَقَالَ: (وَإِن كثيرا ليضلون بأهوائهم بِغَيْر علم إِن رَبك هُوَ أعلم بالمعتدين) باعتدائهم وكذبهم وافترائهم.

قَوْله: {قل لَا أجد فِيمَا أوحى إليّ محرما على طاعم يطعمهُ} ، (الْأَنْعَام: ٧٤٥) إِلَى قَوْله: (فَإِن رَبك غَفُور رَحِيم) فِي سُورَة الْأَنْعَام أَي: قل يَا مُحَمَّد لهَؤُلَاء الَّذين حرمُوا مَا رزقهم الله افتراءً على الله. قَوْله: (على طاعم يطعمهُ) ، أَي: على آكل يَأْكُلهُ. قَوْله: (أَو دَمًا مسفوحا) قَالَ الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس يَعْنِي مهراقا وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ هَذَا. قَوْله: (فَكُلُوا مِمَّا رزقكم الله حَلَالا طيبا) ، كَذَا ثَبت هُنَا لكريمة والأصيلي وَسقط للباقين، وَتَمَامه {وَاتَّقوا الله الَّذِي أَنْتُم بِهِ مُؤمنُونَ} (الْمَائِدَة: ٨٨) وَهِي فِي سُورَة الْمَائِدَة.

قَوْله: {واشكروا نعْمَة الله إِن كُنْتُم إِيَّاه تَعْبدُونَ} (النَّحْل: ١١٤) هَذَا فِي سُورَة النَّحْل. وأوله: {وكلوا مِمَّا رزقكم الله حَلَالا طيبا واشكروا نعْمَة الله} . وَقَوله: {إِنَّمَا حرم عَلَيْكُم الْميتَة} إِلَى آخِره بعد قَوْله: {واشكروا نعْمَة الله} (الْبَقَرَة: ١٧٣) وَهِي فِي سُورَة النَّحْل قد ذكرنَا فِيمَا قبل هَذِه الْآيَة بِعَينهَا فِي سُورَة

<<  <  ج: ص:  >  >>