للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ظَاهره حَقِيقَة فِي الْوُجُوب إِذا لم تكن قرينَة صارفة عَنهُ، وَكَانَ ثمَّة قرينَة على أَنه لرفع الْحُرْمَة أَي: للْإِبَاحَة ثمَّ إِن الْأُصُولِيِّينَ اخْتلفُوا فِي الْأَمر الْوَارِد بعد الْحَظْر. أهوَ للْوُجُوب أم للْإِبَاحَة، وَلَئِن سلمنَا أَنه الْوُجُوب حَقِيقَة فالإجماع هُنَا مَانع من الْحمل عَلَيْهَا. قَوْله: (فَأَرَدْت أَن تعينُوا فِيهَا) ، من الْإِعَانَة وَفِي رِوَايَة مُسلم، فَأَرَدْت أَن تفشوا فيهم، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: فَأَرَدْت أَن تقسموا فيهم. كلوا واطعموا وَادخرُوا. قَالَ عِيَاض الضَّمِير فِي تعينُوا فِيهَا للْمَشَقَّة المفهومة من الْجهد أَو من الشدَّة. أَو من السّنة لِأَنَّهَا سَبَب الْجهد وَفِي تفشوا فيهم أَي: فِي النَّاس المحتاجين إِلَيْهَا قَالَ فِي (الْمَشَارِق) وَرِوَايَة البُخَارِيّ أوجه وَقَالَ فِي (شرح مُسلم) رِوَايَة مُسلم أشبه، وَقَالَ بَعضهم: قد عرفت أَن مخرج الحَدِيث وَاحِد ومداره على أبي عَاصِم، وَأَنه قَالَ: تَارَة هَذَا وَتارَة قَالَ: هَذَا، وَالْمعْنَى: فِي الْكل صَحِيح فَلَا وَجه للترجيح. قلت: لَا وَجه لنفي التَّرْجِيح فَكل من لَهُ أدنى ذوق يفهم أَن رِوَايَة مُسلم أرجح فَمن دقق النّظر عرف ذَلِك.

٥٥٧٠ - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ: حدَّثني أخِي عَنْ سُلَيْمَان عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عَنْ عمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ الله عَنْها قَالَتِ: الضَّحِيَّةُ كُنَّا نُمَلِّحُ مِنْهَا فَنَقْدَمُ بِهِ إلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالمَدِينَةِ فَقَالَ: لَا تَأْكُلُوا إلَاّ ثَلاثَةَ أيَّامٍ وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ وَلاكِنْ أرَادَ أنْ يُطْعِمَ مِنْهُ وَالله أعْلَمُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَلَيْسَت بعريمة) إِلَى آخِره، وَإِسْمَاعِيل بن عبد الله هُوَ ابْن أبي أويس، وَأَبُو أويس اسْمه عبد الله وَأَخُوهُ أَبُو بكر عبد الحميد، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال، وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: (الضحية) ، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَكسر الْحَاء. قَوْله: (مِنْهَا) ، رَوَاهُ الْكشميهني، أَي: من الضحية. وَفِي رِوَايَة غَيره. مِنْهُ أَي: من لحم الضحية. قَوْله: (فنقدم) بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْقَاف من الْقدوم، وَفِي رِوَايَة: فنقدم، بِضَم النُّون وَفتح الْقَاف وَتَشْديد الدَّال من التَّقْدِيم، أَي نضع بَين يَدَيْهِ قيل هَذَا أوجه. قَوْله: (لَا تَأْكُلُوا) أَي: مِنْهُ، هَذَا صَرِيح فِي النَّهْي عَنهُ. فَإِن قلت: وَقع فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ من طَرِيق عَابس بن ربيعَة عَن عَائِشَة أَنَّهَا سُئِلت: أَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهى عَن لُحُوم الْأَضَاحِي؟ فَقَالَت: لَا وَبَين الرِّوَايَتَيْنِ مُنَافَاة. قلت: لَا مُنَافَاة لِأَنَّهَا نفت نهي التَّحْرِيم لَا مُطلق النَّهْي، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي هَذِه الرِّوَايَة: (وَلَيْسَت بعزيمة وَلَكِن أَرَادَ أَن نطعم مِنْهُ) بِضَم النُّون وَسُكُون الطَّاء أَي: نطعم مِنْهُ غَيرنَا وَمعنى قَوْله: (لَيست بعزيمة) أَي: لَيْسَ النَّهْي للتَّحْرِيم وَلَا ترك الْأكل بعد الثَّلَاثَة وَاجِبا، بل كَانَ غَرَضه أَن يصرف مِنْهُ إِلَى النَّاس.

وَاخْتلفُوا فِي هَذَا النَّهْي، فَقَالَ قوم: هُوَ مَنْسُوخ من بَاب نسخ السّنة بِالسنةِ، وَقَالَ آخَرُونَ كَانَ النَّهْي للكراهة لَا للتَّحْرِيم وَالْكَرَاهَة بَاقِيَة إِلَى الْيَوْم، وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ التَّحْرِيم لعِلَّة فَلَمَّا زَالَت تِلْكَ الْعلَّة زَالَ الحكم وَجَاء فِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث عبد الله بن وَاقد. قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن أكل لُحُوم الْأَضَاحِي بعد ثَلَاث، إِلَى أَن قَالُوا: نهيت أَن تُؤْكَل لُحُوم الضَّحَايَا بعد ثَلَاث. فَقَالَ: إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ من أجل الدأفة الَّتِي دفت فَكُلُوا وَادخرُوا وتصدقوا. وَقَالَ الْخطابِيّ: الدُّف بِالدَّال الْمُهْملَة وبالفاء الثَّقِيلَة السّير السَّرِيع، والدافة من يطْرَأ من المحتاجين. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الدافة قوم من الْأَعْرَاب يُرِيدُونَ الْمصر يُرِيد أَنهم قوم قدمُوا الْمَدِينَة عيد الْأَضْحَى فنهاهم عَن إدخار لُحُوم الْأَضَاحِي ليفرقوها ويتصدقوا بهَا فينتفع هَؤُلَاءِ القادمون بهَا. فَإِن قلت: قَوْله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: كلوا يدل على إِيجَاب الْأكل مِنْهَا. قلت: قَالَ الطَّبَرِيّ، رَحمَه الله. هُوَ أَمر بِمَعْنى الْإِطْلَاق وَالْإِذْن للآكل لَا بِمَعْنى الايجاب، وَلَا خلاف بَين سلف الْأَئِمَّة وَخَلفهَا فِي عدم الْحَرج على المضحي بترك الْأكل من أضحيته، وَلَا إِثْم، فَدلَّ ذَلِك على أَن الْأَمر بِمَعْنى الْإِذْن وَالْإِطْلَاق، وَقَالَ ابْن التِّين: لم يخْتَلف الْمَذْهَب أَن الْأكل غير وَاجِب، خلاف مَا ذكره القَاضِي أَبُو مُحَمَّد عَن بعض النَّاس أَنه وَاجِب، وَقَالَ ابْن حزم: فرض على كل مضح أَن يَأْكُل من أضحيته وَلَو لقْمَة فَصَاعِدا.

٥٥٧١ - حدَّثنا حِبَّانُ بنُ مُوسَى أخْبَرَنا عَبْدُ الله. قَالَ: أخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حدَّثني

<<  <  ج: ص:  >  >>