للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْإِسْكَار، وَإِمَّا لِأَنَّهُ ترْجم على مَا يُطَابق الحَدِيث الأول فِي الْبَاب، وَهُوَ حَدِيث أنس، لِأَنَّهُ لَا شكّ أَن الَّذِي كَانَ يسْقِيه حينئذٍ للْقَوْم مُسكرا، وَلِهَذَا دخل عِنْدهم فِي عُمُوم تَحْرِيم الْخمر. وَقد قَالَ أنس: وَإِنَّا لنعدها يومئذٍ الْخمر، دلّ على أَنه مُسكر. قلت: وَمِمَّنْ يرى جَوَاز الخليطين قبل الْإِسْكَار أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف رَضِي الله عَنهُ قَالَا: وكل مَا طبخ على الِانْفِرَاد حل، كَذَلِك إِذا طبخ مَعَ غَيره، ويروى مثل ذَلِك عَن ابْن عمر وَالنَّخَعِيّ. قَوْله: (وَأَن لَا يَجْعَل إدامين فِي إدام) أَي: وَمِمَّنْ رأى أَن لَا يَجْعَل إدامين فِي إدام، نَحْو أَن يخلط التَّمْر وَالزَّبِيب فيصيران كإدام وَاحِد لوُرُود الحَدِيث الصَّحِيح بِالنَّهْي عَن الخليطين، رَوَاهُ أَبُو سعيد. وَفِي حَدِيث أبي قَتَادَة: نهى أَن يجمع بَين التَّمْر وَالزَّبِيب، وَفِي حَدِيث جَابر: بَين الزَّبِيب وَالتَّمْر، والبسر وَالرّطب، وَالْعلَّة فِيهِ إِمَّا توقع الْإِسْكَار بالاختلاط، وَإِمَّا تحقق الْإِسْكَار بالكثير، وَإِمَّا الْإِسْرَاف والشره، وَالتَّعْلِيل بالإسراف مُبين فِي حَدِيث النَّهْي عَن الْقُرْآن فِي التَّمْر، هَذَا وَالتَّمْرَتَانِ نوع وَاحِد فَكيف بالتعدد؟

٥٦٠٠ - حدّثنامُسْلِمٌ حَدثنَا هشامٌ حَدثنَا قَتادَةُ عنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إنِّي لأسْقِي أَبَا طَلْحَةَ وَأَبا دُجانَةَ وسُهَيْلَ بنَ البَيْضاءِ خَلِيطَ بُسْرٍ وتَمْرٍ إذْ حُرِّمَتِ الخَمْرُ فَقَذَفْتُها وَأَنا ساقِيهِمْ وأصْغَرُهُمْ، وإنَّا نَعُدُّها يَوْمَئِذٍ الخَمْرَ. وَقَالَ عَمْرُو بنُ الحارِثِ: حَدثنَا قَتادَةُ سَمِعَ أنَساً

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (خليط بسر وتمر) وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا كَانَا خليطين وَقت شرب هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين فِي الحَدِيث، فَلَمَّا بَلغهُمْ تَحْرِيم الْخمر قَذَفُوهُ وتركوه فصاروا مِمَّن رأى أَن لَا يخلط الْبُسْر وَالتَّمْر.

وَمُسلم هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم الْأَزْدِيّ، وَهِشَام هُوَ الدستوَائي.

والْحَدِيث عَن أنس قد تقدم فِي أَوَائِل الْكتاب فِي: بَاب نزل تَحْرِيم الْخمر وَهِي من الْبُسْر وَالتَّمْر بِوُجُوه مُخْتَلفَة فِي الْمَتْن والإسناد، وَهُنَاكَ قَالَ أنس: أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَة وَأبي بن كَعْب، وَهنا ذكر أَبَا دُجَانَة وسهيلاً، وَلَا يضر ذَلِك على مَا لَا يخفى، وَأَبُو دُجَانَة سماك بن خَرشَة.

قَوْله: (وَقَالَ عَمْرو بن الْحَارِث) إِلَى آخِره، تَعْلِيق أَرَادَ بِهِ بَيَان سَماع قَتَادَة لِأَنَّهُ فِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة بالعنعنة، وَوَصله أَبُو نعيم عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن سعد حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد حَدثنَا أَبُو الطَّاهِر حَدثنَا بن وهب أخبرنَا عَمْرو فَذكره.

٥٦٠١ - حدّثنا أبُو عاصِمٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ أخْبرني عَطاءٌ أنَّهُ سَمِعَ جابِراً رَضِي الله عَنهُ يَقُولُ: نَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الزَّبِيبِ والتَّمْرِ والبُسْرِ والرُّطَبِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل الضَّحَّاك بن مخلد الْبَصْرِيّ يروي عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْأَشْرِبَة عَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الْوَلِيمَة عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم. قَوْله: (عَن الزَّبِيب) إِلَى آخِره لَيْسَ فِيهِ بَيَان الْخَلْط صَرِيحًا، وَقد بَينه مُسلم بِلَفْظ: (لَا تجمعُوا بَين الرطب والبسر وَبَين الزَّبِيب وَالتَّمْر) ، وَحِكْمَة النَّهْي خوف إسراع الشدَّة إِلَيْهِ مَعَ الْخَلْط. وَقَالَ الدَّاودِيّ: لِأَن أَحدهمَا لَا يصير نبيذاً حلواً حَتَّى يشْتَد الآخر فيسرع إِلَى الشدَّة فَيصير خمرًا، وهم لَا يظنون.

وَاخْتلف هَل ترك ذَلِك وَاجِب أَو مُسْتَحبّ؟ فَقَالَ مُحَمَّد يُعَاقب عَلَيْهِ، وَقَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب: أَسَاءَ فِي تخليطه، فَإِن لم تحدث الشدَّة المطربة جَازَ شربه، وَعَن بعض الْعلمَاء أَنه كره أَن يخلط للْمَرِيض شرابان مثل شراب ورد وَغَيره، وَأنكر ذَلِك غَيره، وَسُئِلَ الشَّافِعِي عَن رجل شرب خليطين مُسكرا فَقَالَ: هَذَا بِمَنْزِلَة رجل أكل لحم خِنْزِير ميت، فَهُوَ حرَام من جِهَتَيْنِ: الْخِنْزِير حرَام، وَالْميتَة حرَام، وَالسكر حرَام.

قلت: فِي هَذَا الْبَاب أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه يحرم، وَرُوِيَ ذَلِك عَن أبي مُوسَى الْأنْصَارِيّ وَأنس وَجَابِر وَأبي سعيد رَضِي الله عَنْهُم وَمن التَّابِعين عَطاء وطاووس، وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر. وَالثَّانِي: يحرم خليط كل نَوْعَيْنِ مِمَّا ينتبذ فِي الانتباذ، وَبعد الانتباذ لَا يخص شَيْء من شَيْء، وَهُوَ قَول بعض الْمَالِكِيَّة. وَالثَّالِث: أَن النَّهْي مَحْمُول على التَّنْزِيه وَأَنه لَيْسَ بِحرَام مَا لم يصر مُسكرا، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: حَكَاهُ النَّوَوِيّ عَن مَذْهَبنَا، وَأَنه قَول جُمْهُور الْعلمَاء. وَالرَّابِع: رُوِيَ عَن اللَّيْث أَنه قَالَ: لَا بَأْس أَن يخلط نَبِيذ الزَّبِيب ونبيذ التَّمْر ثمَّ يشربان جَمِيعًا، وَإِنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>