للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

من الْكَبَائِر بِالْإِجْمَاع، وَقد عده النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الموبقات وَمِنْه مَا يكون كفرا، وَمِنْه مَا لَا يكون كفرا، بل مَعْصِيّة كَبِيرَة فَإِن كَانَ فِيهِ قَول أَو فعل يَقْتَضِي الْكفْر فَهُوَ كفر وإلَاّ فَلَا وَأما تعلمه وتعليمه فَحَرَام، فَإِن كَانَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْكفْر كفر واستتيب مِنْهُ وَلَا يقتل، فَإِن تَابَ قبلت تَوْبَته وَإِن لم يكن فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْكفْر عزّر، وَعَن مَالك: السَّاحر كَافِر يقتل بِالسحرِ وَلَا يُسْتَتَاب بل يتحتم قَتله كالزنديق، قَالَ عِيَاض: وَيَقُول مَالك: قَالَ أَحْمد وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَفِي (الْفَتَاوَى الصُّغْرَى) : السَّاحر لَا يُسْتَتَاب فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد خلافًا لأبي يُوسُف، والزنديق يُسْتَتَاب عِنْدهمَا، وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ وَعَن أبي حنيفَة: إِذا أتيت بزنديق استتبته، فَإِن تَابَ قبلت تَوْبَته، وَقَالَ ابْن بطال: وَاخْتلف السّلف هَل يسْأَل السَّاحر عَن حل من سحره فَأَجَازَهُ سعيد بن الْمسيب وَكَرِهَهُ الْحسن الْبَصْرِيّ، وَقَالَ: لَا يعلم ذَلِك إلَاّ سَاحر، وَلَا يجوز إتْيَان السَّاحر لما روى سُفْيَان عَن أبي إِسْحَاق عَن هُبَيْرَة عَن ابْن مَسْعُود: من مشي إِلَى سَاحر أَو كَاهِن فَصدقهُ بِمَا يَقُول فقد كفر بِمَا أنزل الله على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ الطَّبَرِيّ: نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن إتْيَان السَّاحر إِنَّمَا هُوَ على التَّصْدِيق لَهُ فِيمَا يَقُول: فَأَما إِذا أَتَاهُ لغير ذَلِك، وَهُوَ عَالم بِهِ وبحاله، فَلَيْسَ بمنهي عَنهُ وَلَا عَن إِتْيَانه، وَقد أجَاز بعض الْعلمَاء تعلم السحر لأحد أَمريْن: إِمَّا لتمييز مَا فِيهِ كفر من غَيره، وَإِمَّا لإزالته عَمَّن. وَقع فِيهِ. قَوْله: {وَلَا يفلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى} (طه: ٦٩) فِيهِ نفي الْفَلاح وَهُوَ الْفَوْز عَن السَّاحر وَلَيْسَ فِيهِ مَا يدل على كفره. قَوْله: {أفتأتون السحر وَأَنْتُم تبصرون} (الْأَنْبِيَاء: ٣) هَذَا خطاب لكفار قُرَيْش يستبعدون كَون مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَسُولا لكَونه بشرا فَقَالَ قَائِلهمْ مُنْكرا على من اتبعهُ: {أفتأتون السحر} أَي: أفتتبعونه حَتَّى تصيروا كمن اتبع السحر، وَهُوَ يعلم أَنه سحر. قَوْله: {يخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى} (طه: ٦٦) أَوله {فَإِذا حبالهم وعصيهم يخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى} يَعْنِي: يخيل إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهَا حيات تسْعَى، وَذَلِكَ لأَنهم لطخوا حبالهم بالزيبق، فَلَمَّا حميت الشَّمْس اهتزت وتحركت فَظن مُوسَى أَنَّهَا تقصده احْتج بِهَذَا من زعم أَن السحر إِنَّمَا هُوَ تخييل وَلَا حجَّة لَهُم فِي هَذَا، لِأَن هَذِه وَردت فِي قصَّة سحرة فِرْعَوْن، وَكَانَ سحرهم كَذَلِك وَلَا يلْزم أَن جَمِيع أَنْوَاع السحر كَذَلِك تخييل. قَوْله: {وَمن شَرّ النفاثات} (الفلق: ٤) قد فسر النفاثات: بالسواحر، وَهُوَ تَفْسِير الْحسن الْبَصْرِيّ، وَأُرِيد بِهِ السواحر ينفثن فِي عقد الخيوط للسحر قَوْله: (تسحرون) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {سيقولون الله قل فَأنى تسحرون} (الْبَقَرَة: ١٠٢) أَي: كَيفَ تعمون عَن هَذَا وتصدون عَنهُ. قَوْله: (تعمون) بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم الْمَفْتُوحَة، وَقيل بِسُكُون الْعين، وَقَالَ ابْن عَطِيَّة. السحر هُنَا مستعار لما وَقع مِنْهُم من التَّخْلِيط، وَوضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه كَمَا يَقع من المسحور.

فَإِن قلت: هَذَا لَا يقوم بِهِ الِاحْتِجَاج على مَا ذكر البُخَارِيّ فِي هَذِه الْآيَات للإحتجاج على تَحْرِيم السحر. قلت: السحر على أَنْوَاع: مِنْهَا: أَنه بِمَعْنى لطف ودق، وَمِنْه: سحرت الصَّبِي خدعته واستملته، فَكل من استمال شَيْئا فقد سحره، وَفِي هَذِه الْآيَة إِشَارَة إِلَى هَذَا النَّوْع. الثَّانِي: مَا يَقع بخداع أَو تخييلات لَا حَقِيقَة لَهَا، نَحْو مَا يَفْعَله المشعوذ من صرف الْأَبْصَار عَمَّا يتعاطاه بخفة يَده، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بقوله: {يخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى} (طه: ٦٦) . الثَّالِث: مَا يحصل بمعاونة الشَّيَاطِين بِضَرْب من التَّقَرُّب إِلَيْهِم وَإِلَى ذَلِك الْإِشَارَة بقوله تَعَالَى: {وَلَكِن الشَّيَاطِين كفرُوا يعلمُونَ النَّاس السحر} (الْبَقَرَة: ١٠٢) الرَّابِع: مَا يحصل بمخاطبة الْكَوَاكِب واستنزال روحانياتها. الْخَامِس: مَا يُوجد من الطلسمات.

٥٧٦٣ - حدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى أخبرنَا عيسَى بنُ يُونُسَ عنْ هِشامٍ عنْ أبيهِ عنْ عائِشةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ: سَحَرَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجُلٌ مِنْ بَني زُرَيْقٌ يُقالُ لهُ: لَبيدُ بنُ الأعْصَمِ حتَّى كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّهُ كانَ يَفْعَلُ الشَّيءَ وَمَا فَعَلهُ، حَتَّى إذَا كانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَو ذَاتَ لَيْلةٍ وهْوَ عِنْدي لاكِنَّهُ دَعَا ودعا، ثُمَّ قَالَ: يَا عائِشَةُ أشَعَرْتِ أنَّ الله أفْتأني فِيمَا اسْتَفْتَيْتَهُ فيهِ؟ أتانِي رَجُلانِ فَقَعَدَ أحَدُهُما عِنْدَ رَأسِي والآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أحَدُهُما لِصاحِبِهِ: مَا وجَعُ الرَّجُلِ؟ فَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>