للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِن هَذَا الدّين مَبْنِيّ على الْيُسْر لَا على الْعسر، وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لم أبْعث بالرهبانية وَإِن خير الدّين عِنْد الله الْحَنَفِيَّة السمحة وَإِن أهل الْكتاب هَلَكُوا بِالتَّشْدِيدِ، شَدَّدُوا فَشدد الله عَلَيْهِم) .

٦١٢٦ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مالِكٍ عَنِ ابنِ شِهابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، أنَّها قالَتْ: مَا خُيِّرَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَيْنَ أمْرَيْنِ قَطُّ إلَاّ أخَذَ أيْسَرَهُما مَا لَمْ يَكُنْ إثْماً، فإنْ كَانَ إثْماً كَانَ أبْعَد النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِنَفْسِهِ فِي شَيْء قَطُّ إِلَّا أنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ الله فَيَنْتَقِمَ بِها لله.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (إلَاّ أَخذ أيسرهما) والْحَدِيث مضى فِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: (مَا خيّر بَين أَمريْن إِلَّا اخْتَار أيسرهما) يُرِيد فِي أَمر دُنْيَاهُ لقَوْله: (مَا لم يكن إِثْمًا) ، وَالْإِثْم لَا يكون إلاّ فِي أَمر الْآخِرَة. قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ خير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَين أَمريْن أَحدهمَا إِثْم؟ ثمَّ أجَاب بقوله: التَّخْيِير إِن كَانَ من الْكفَّار فَظَاهر، وَإِن كَانَ من الله تَعَالَى أَو من الْمُسلمين فَمَعْنَاه مَا لم يؤد إِلَى إِثْم، كالتخيير بَين المجاهدة فِي الْعِبَادَة والإقتصاد فِيهَا، فَإِن المجاهدة بِحَيْثُ تنجر إِلَى الْهَلَاك غير حائزة. وَقَالَ عِيَاض: يحْتَمل أَن يخيره الله تَعَالَى فِيمَا فِيهِ عقوبتان وَنَحْوه، وَأما قَوْلهَا: (مَا لم يكن إِثْمًا) فيتصور إِذا خَيره الْكفَّار. قَوْله: (إلَاّ أَن تنتهك حُرْمَة الله) يَعْنِي: انتهاك مَا حرمه، وَهُوَ اسْتثِْنَاء مُنْقَطع، يَعْنِي: إِذا انتهكت حُرْمَة الله انتصر لله تَعَالَى وانتقم مِمَّن ارْتكب ذَلِك.

٦١٢٧ - حدَّثنا أبُو النُّعْمانِ حَدثنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عَنِ الأزرَقِ بنِ قَيْسٍ قَالَ: كُنَّا عَلَى شاطِىءِ نَهرٍ بالأهْوازِ قَدْ نَضَبَ عَنْهُ الماءُ، فَجاءَ أبُو بَرْزَةَ الأسْلَمِيُّ عَلَى فَرَسٍ فَصَلَّى وَخَلَّى فَرَسَهُ، فانْطَلَقَتِ الفَرَسُ فَتَرَكَ صَلَاتَهُ وتَبعَها حَتَّى أدْرَكَها، فأخَذَها ثُمَّ جاءَ فَقَضَى صَلاتَهُ، وَفِيمَا رَجُلٌ لَهُ رَأْيٌ، فأقْبَلَ يَقُولُ: انْظُرُوا إلَى هاذا الشَّيْخِ! تَرَكَ صَلاتَهُ مِنْ أجْلِ فَرَسٍ، فأقْبَلَ فَقَالَ: مَا عَنَّفَنِي أحَدٌ مُنْذُ فارَقْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ: إنَّ مَنْزِلِي مُتَرَاخٍ فَلَوْ صَلَّيْتُ وَتَرَكْتُ لَمْ آتِ أهْلِي إِلَيّ اللَّيْلِ، وَذَكَرَ أنَّهُ صَحِبَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرَأى مِنْ تَيْسيرِهِ. (انْظُر الحَدِيث ١٢١١) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، وَمن قَوْله: (فَرَأى من تيسيره) أَي: رأى من التسهيل مَا حمله على ذَلِك إِذْ لَا يجوز لَهُ أَن يَفْعَله من تِلْقَاء نَفسه دون أَن يُشَاهد مثله من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي الَّذِي يُقَال لَهُ عَارِم، مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، والأزرق بن قيس الْحَارِثِيّ الْبَصْرِيّ، وَأَبُو بَرزَة بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء وبالزاي نَضْلَة بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن عبيد بن الْحَارِث الْأَسْلَمِيّ بِفَتْح الْهمزَة وَاللَّام، سكن الْبَصْرَة وَسمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب إِذا انفلتت الدَّابَّة فِي الصَّلَاة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن آدم عَن شُعْبَة عَن الْأَزْرَق بن قيس ... إِلَى آخِره. وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: (بالأهواز) ، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْهَاء وبالواو وبالزاي مَوضِع بخورستان بَين الْعرَاق وَفَارِس. قَوْله: (نضب) ، بِفَتْح النُّون وَالضَّاد الْمُعْجَمَة وبالباء الْمُوَحدَة أَي: غَابَ وَذهب فِي الأَرْض. قَوْله: (وتبعها) ، ويروى: (واتبعها) . قَوْله: (فَقضى صلَاته) أَي: أَدَّاهَا، والفضاء، يَأْتِي بِمَعْنى الْأَدَاء كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا قضيت الصَّلَاة} (الْجُمُعَة: ١٠) أَي: فَإِذا أدّيت. قَوْله: (وَفينَا رجل) ، كَانَ هَذَا الرجل يرى رَأْي الْخَوَارِج. قَوْله: (متراخ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: متباعد. قَوْله: (وَتركت) ، أَي: الْفرس، ويروى: (وتركتها) ، وَالْفرس يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى لَكِن لَفظه مؤنث سَمَاعي. قَوْله: (فَرَأى من تيسيره) ، أَي: من تيسير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد مر تَفْسِيره عَن قريب.

١٥٢ - (حَدثنَا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ ح وَقَالَ اللَّيْث حَدثنِي يُونُس عَن ابْن

<<  <  ج: ص:  >  >>