للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِيهِ.

قَوْله: (يحوطك) من حاطه إِذا حفظه ورعاه. قَوْله: (فِي ضحضاح) بإعجام الضادين وإهمال الحاءين: الْقَرِيب القعر، أَي: رَقِيق خَفِيف، وَيُقَال: الضحضاح من النَّار وَمن المَاء وَمن كل شَيْء وَهُوَ الْقَلِيل الرَّقِيق مِنْهُ. قَوْله: (لَكَانَ فِي الدَّرك الْأَسْفَل) وَهِي الطَّبَقَة السُّفْلى من أطباق جَهَنَّم، وَقيل: الدَّرك الْأَسْفَل توابيت من نَار تطبق عَلَيْهِم، وَقَالَ ابْن مَسْعُود: توابيت من حَدِيد تغلق عَلَيْهِم، والأدراك فِي اللُّغَة الْمنَازل.

وَقَالَ ابْن بطال: وَفِيه: جَوَاز تكنية الْمُشرك على وَجه التألف وَغَيره من الْمصَالح، وَقيل: هَذِه التكنية لَيست للإكرام فِي نفس الْأَمر، وَأما تكنية أبي طَالب فلاشتهاره بكنيته دون اسْمه، فَإِن قيل: مَا وَجه تكنية أبي لَهب؟ أُجِيب بأجوبة. الأول: أَن وَجهه كَانَ يتلهب جمالاً فَجعل الله مَا كَانَ يفتخر بِهِ فِي الدُّنْيَا ويتزين بِهِ سَببا لعذابه. الثَّانِي: للْإِشَارَة إِلَى أَنه { (١١١) سيصلى نَارا ذَات لَهب} (المسد: ٣) . الثَّالِث: أَن اسْمه عبد الْعُزَّى وكنيته أَبُو عتبَة، وَأما أَبُو لَهب فلقب لقب بِهِ لجماله وَلَيْسَت بكنية. الرَّابِع قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ: إِن هَذِه التكنية لَيست للإكرام بل للإهانة إِذْ هِيَ كِنَايَة عَن الجهنمي إِذْ مَعْنَاهُ: تبت يدا جهنمي، وَاعْترض عَلَيْهِ بعضم بِأَن التكنية لَا ينظر فِيهَا إِلَى مَدْلُول اللَّفْظ بل الإسم إِذا صدر بَاب أَو أم فَهُوَ كنية. انْتهى. قلت: كثير من الْأَسْمَاء المصدرة بِالْأَبِ أَو الْأُم لم يقْصد بهَا الكنية، وَإِنَّمَا يقْصد بهَا إِمَّا الْعلم وَإِمَّا اللقب وَلَا يقْصد بهَا الكنية، فَمن ذَلِك يُقَال لرجل من إياد، وَقيل من نزار: أَبُو أرب، يضْرب بِهِ الْمثل فِي كَثْرَة الْجِمَاع، فَيُقَال: أنكح من أبي أرب يُقَال: إِنَّه افتض فِي لَيْلَة وَاحِدَة سبعين عذراء، ذكره ابْن الْأَثِير فِي كتاب سَمَّاهُ (مرصعاً) وَمن ذَلِك أَبُو براقش لَيْسَ لَهُ إسم غَيرهَا، وَيُقَال: أم الْأَبْرَد للنمرة من قَوْلهم ثوب أبرد فِيهِ لمع بَيَاض وَسَوَاد، وَأم إِحْدَى وَعشْرين للدجاجة، وَأم أحراد بِالْحَاء الْمُهْملَة بِئْر مَكَّة عِنْد بَاب الْبَصرِيين حفرهَا خلف بن أسعد الْخُزَاعِيّ، وأمثال هَذِه كَثِيرَة. وَفِيه دلَالَة على أَن الله تَعَالَى قد يُعْطي الْكَافِر عوضا من أَعماله الَّتِي مثلهَا يكون قربَة لأهل الْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أخبر أَن عَمه نفعته تَرْبِيَته إِيَّاه وحياطته لَهُ التَّخْفِيف الَّذِي لَو لم ينصره فِي الدُّنْيَا لم يُخَفف عَنهُ، فَعلم بذلك أَنه عوض نصرته لَا لأجل قرَابَته مِنْهُ، فقد كَانَ لأبي لَهب من الْقَرَابَة مثل مَا كَانَ لأبي طَالب فَلم يَنْفَعهُ ذَلِك.

١١٦ - (بابٌ المَعارِيضُ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الكَذِبِ)

قَالَ بَعضهم: بَاب منوناً. قلت: لَيْسَ كَذَلِك لِأَن شَرط الْإِعْرَاب التَّرْكِيب وَإِنَّمَا يكون معرباً إِذا قُلْنَا: هَذَا بَاب فِيهِ المعاريض مندوحة كَذَا وَقع فِي الْأُصُول: المعاريض، بِالْيَاءِ وَكَذَا أوردهُ ابْن بطال، وَأوردهُ ابْن التِّين بِلَفْظ: الْمعَارض، بِدُونِ الْيَاء، ثمَّ قَالَ: كَذَا التَّبْوِيب وَالصَّوَاب المعاريض كَمَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، والمعاريض جمع معراض من التَّعْرِيض وَهُوَ خلاف التَّصْرِيح من القَوْل، وَهُوَ التورية بالشَّيْء عَن الشَّيْء، وَمعنى مندوحة: متسعة، يُقَال مِنْهُ انتدح فلَان بِكَذَا ينتدح بِهِ انتداحاً إِذا اتَّسع بِهِ، وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: يُقَال: ندحت الشَّيْء وسعته، قَالَ الطَّبَرِيّ: يُقَال انتدحت الْغنم فِي مرابضها إِذا تبددت واتسعت من البطنة، وانتدح بطن فلَان إِذا استرخى واتسع، وَحَاصِل الْمَعْنى: المعاريض يسْتَغْنى بهَا الرجل عَن الِاضْطِرَار إِلَى الْكَذِب، وَهَذِه التَّرْجَمَة ذكرهَا الطَّبَرِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إِن فِي المعاريض لمندوحة عَن الْكَذِب، وَأخرجه ابْن أبي عدي عَن قَتَادَة مَرْفُوعا ووهاه.

وَقَالَ إسْحاقُ: سَمِعْتُ أنَساً: ماتَ ابنٌ لأبِي طَلْحَةَ فَقَالَ: كَيْفَ الغُلامُ؟ قالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: هَدَأ نَفْسُهُ وأرْجُو أنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَراحَ، وظَنَّ أنَّها صادِقَةٌ

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (هدأ نَفسه وَأَرْجُو أَن يكون قد استراح) فَإِن أم سليم ورت بكلامها هَذَا أَن الْغُلَام انْقَطع بِالْكُلِّيَّةِ بِالْمَوْتِ وَأَبُو طَلْحَة فهم من ذَلِك أَنه تعافى. وَإِسْحَاق هَذَا ابْن عبد الله بن أبي طَلْحَة الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو طَلْحَة اسْمه زيد وَهُوَ زوج أم سليم أم أنس، وَهَذَا التَّعْلِيق سقط من رِوَايَة النَّسَفِيّ وَهُوَ طرف من حَدِيث مطول أخرجه البُخَارِيّ فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب من لم يظْهر حزنه عِنْد الْمُصِيبَة، قَالَ: حَدثنِي بشر بن الحكم قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: حَدثنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>