للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَن الْإِيمَان، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد ... إِلَى آخِره. وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (من أَشْرَاط السَّاعَة) أَي: من عَلَامَات يَوْم الْقِيَامَة، وَهُوَ جمع شَرط بِفتْحَتَيْنِ وَإِنَّمَا جمع جمع الْقلَّة مَعَ أَن العلامات أَكثر من الْعشْرَة لِأَن بَين الجمعين مُعَارضَة، أَو أَن الْفرق بَينهمَا فِي الجموع النكرَة لَا فِي المعارف. قَوْله: (رُعَاة البهم) ، بِضَم الرَّاء وبتاء التَّأْنِيث فِي آخِره، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: رعاء، بِكَسْر الرَّاء وبالهمزة مَعَ الْمَدّ، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الرعاء بِالْكَسْرِ وَالْمدّ جمع راعي الْغنم، وَقد يجمع على رُعَاة بِالضَّمِّ، والبهم بِضَم الْبَاء جمع الأبهم وَهُوَ الَّذِي يخلط لَونه شَيْء سوى لَونه، وَبِفَتْحِهَا جمع البهمة وَهِي أَوْلَاد الضَّأْن، وَقيل: البهم أَيْضا المجتمعة مِنْهَا، وَمن أَوْلَاد الْمعز وَحَاصِله: أَن الْفُقَرَاء من أهل الْبَادِيَة تبسط لَهُم الدُّنْيَا يتباهون فِي إطالة الْبُنيان وَهَؤُلَاء الَّذين يَقُولُونَ: بِلَاد مصر وَالشَّام كَانُوا فِي بِلَادهمْ لَا يملكُونَ شَيْئا وهم فِي أضيق الْمَعيشَة وغالبهم كَانُوا رُعَاة وَأَنَّهُمْ يبنون كل قصر من خزف يصرف عَلَيْهِ أَكثر من قِنْطَار من ذهب ويسرفون فِي المآكل والمشارب والملابس بِمَا لَا يرضى الله بِهِ وَلَا رَسُوله وَالْأَمر لله الْوَاحِد القهار.

٦٣٠٢ - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حَدثنَا إسْحاقُ هُوَ ابنُ سَعِيدٍ عَنْ سَعيد عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: رأيْتُنِي مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَنَيْتُ بِيَدِي بَيْتاً يُكِنُّنِي مِنَ المَطَرِ ويُظِلُّنِي مِنَ الشَّمْسِ مَا أعانَني عَلَيْهِ أحَدٌ مِنْ خَلْقِ الله.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (بنيت بيَدي) وَاعْترض الْإِسْمَاعِيلِيّ على البُخَارِيّ فَقَالَ: أَدخل هَذَا الحَدِيث فِي الْبناء بالطين والمدر والخزف إِنَّمَا هُوَ فِي بَيت الشّعْر، لِأَنَّهُ أخرج هَذَا الحَدِيث، وَفِي رِوَايَته بَيْتا من شعر، ورد عَلَيْهِ بِأَن هَذِه الزِّيَادَة ضَعِيفَة عِنْدهم، وعَلى تَقْدِير ثُبُوتهَا فَلَيْسَ فِي التَّرْجَمَة تَقْيِيد بالطين وَغَيره.

وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن وَإِسْحَاق هُوَ ابْن سعيد بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ الْأمَوِي الْقرشِي، وَإِسْحَاق هَذَا سكن مَكَّة، وَقد روى هَذَا الحَدِيث عَن وَالِده وَهُوَ المُرَاد بقوله: عَن سعيد عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا.

والْحَدِيث أخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن مُحَمَّد بن يحيى عَن ابْن نعيم بِهِ.

قَوْله: (رَأَيْتنِي) ضمير الْفَاعِل وَالْمَفْعُول عبارَة عَن شخص وَاحِد وَمَعْنَاهُ: رَأَيْت نَفسِي. قَوْله: (مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (يكنني) بِضَم الْيَاء من أكن إِذا وقى، قَالَ ابْن الْأَثِير: كَذَا قرأناه، وَعَن الْكسَائي: كننت الشَّيْء سترته وصنته من الشَّمْس، وأكننته فِي نَفسِي أسررته، وَقَالَ أَبُو زيد: كننته وأكننته بِمَعْنى وَاحِد فِي الْكن بِالْكَسْرِ، وَفِي النَّفس جَمِيعًا تَقول: كننت الْعلم وأكننته وكننت الْجَارِيَة وأكننتها. قَوْله: (مَا أعانني عَلَيْهِ) أَي: على بِنَاء هَذَا الْبَيْت أحد من النَّاس، وَهَذَا تَأْكِيد لقَوْله: (بنيت بيَدي بَيْتا) ، وَإِشَارَة إِلَى خفَّة مُؤْنَته.

٦٣٠٣ - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا سُفْيانُ قَالَ عَمْرو: قَالَ ابنُ عُمَرَ: وَالله مَا وَضَعْتُ لَبِنَةً على لَبِنَةٍ وَلَا غَرَسْتُ نَخْلَةً مُنْذُ قُبِضَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ سُفْيانُ: فَذَكَرْتُهُ لِبَعْضِ أهْلِهِ قَالَ: وَالله لَقَدْ بَنى، قَالَ سُفْيانُ: قُلْتُ: فَلَعَلَّهُ قَالَ: قَبْلَ أنْ يَبْنِيَ؟ .

مطابقته للتَّرْجَمَة أَيْضا مَا ذكر فِي الَّذِي قبله. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَعمر وَهُوَ ابْن دِينَار.

قَوْله: (مُنْذُ قبض) أَي: مُنْذُ توفّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَالله لقد بنى) أَي: بَيْتا، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لقد بنى بَيْتا. قَوْله: (قَالَ سُفْيَان: فَلَعَلَّهُ) أَي: فَلَعَلَّ ابْن عمر (قَالَ: قبل أَن يَبْنِي) يَعْنِي: قبل الْبناء، وَهَذَا اعتذار حسن من سُفْيَان. وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: قبل أَن يبتني، أَي: قبل أَن يتَزَوَّج، وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ الْحَقِيقَة أَي الْبناء بِيَدِهِ، والمباشرة بِنَفسِهِ، وَلَعَلَّه أَرَادَ التَّسَبُّب بِالْأَمر بِهِ وَنَحْوه، وَالله أعلم. وَيحْتَمل أَنه يكون الَّذِي نَفَاهُ ابْن عمر مَا زَاد على حَاجته، وَالَّذِي أثْبته بعض أَهله بِنَاء بَيت لَا بُد لَهُ مِنْهُ أَو إصْلَاح مَا وهى من بَيته، وَالله المتعال أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.

<<  <  ج: ص:  >  >>