للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَي: المهلكات هَكَذَا فسره البُخَارِيّ على مَا يَجِيء الْآن، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: من الموبقات، وَسُقُوط كلمة: من، فِي رِوَايَة السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي.

قَوْله: (قَالَ أَبُو عبد الله) هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، (يَعْنِي بذلك) أَي بِلَفْظ الموبقات يَعْنِي أَرَادَ بهَا: المهلكات، وَهِي جمع موبقة أَي: مهلكة، وثلاثيه: وبق يبْق فَهُوَ وبق إِذا هلك، وأوبقه غَيره فَهُوَ موبق، فالفاعل بِكَسْر الْبَاء وَالْمَفْعُول بِفَتْحِهَا وَمعنى الحَدِيث رَاجع إِلَى قَوْله عز وَجل: {وتحسبونه هينا وَهُوَ عِنْد الله عَظِيم} (النُّور: ٥١) وَكَانَت الصَّحَابَة يعدون الصَّغَائِر من الموبقات لشدَّة خشيتهم لله وَلم تكن لَهُم كَبَائِر، والمحقرات، إِذا كثرت صَارَت كَبَائِر للإصرار عَلَيْهَا.

٣٣ - (بابٌ الأعْمالُ بِالخَواتِيمِ وَمَا يخافُ مِنْها)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ الْأَعْمَال بالخواتيم أَي: بالعواقب، وَهُوَ جمع خَاتِمَة. وَفِي (التَّوْضِيح) : يُقَال: خَاتم بِفَتْح التَّاء وَكسرهَا، وعد اللُّغَات السِّت الَّتِي فِيهِ ثمَّ قَالَ: وَالْجمع الخواتيم.

قلت: هَذَا تصرف عَجِيب فَإِنَّهُ ظن أَن الخواتيم هُنَا جمع الْخَاتم الَّذِي يلبس، وَلَيْسَ لهَذَا هُنَا دخل، وَإِنَّمَا المُرَاد بالخواتيم الْأَعْمَال الَّتِي يخْتم بهَا عمل الرجل عِنْد مَوته.

٣٩٤٦ - حدّثنا عَلِيُّ بن عَيَّاشٍ حدّثنا أبُو غَسَّانَ قَالَ: حدّثني أبُو حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: نَظَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى رَجلٍ يُقاتِلُ المُشْرِكِينَ، وكانَ مِنْ أعْظَمِ المُسْلِمِينَ غَناءً عَنْهُمْ، فَقَالَ: (مَنْ أحَبَّ أنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظرْ إِلَى هاذا) فَتَبَعهُ رَجُلٌ فَلَمْ يَزَلْ عَلى ذالِكَ حتَّى جُرِحَ فاسْتَعْجَلَ المَوْتَ، وَقَالَ بِذُبابَةِ سَيْفِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ فَتَحَامَلَ عَلَيْهِ حتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْه، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إنَّ العَبْدَ لَيَعْمَلُ فِيما يَرى النَّاسُ عَمَلَ أهْلِ الجَنَّةِ وإنهُ لِمَنْ أهْلِ النَّارِ، ويَعْمَلُ فِيمَا يَرى النَّاسُ عَمَلَ أهْلِ النَّارِ وهْوَ مِنْ أهْلِ الجنةِ، وإنَّما الأعْمالُ بِخَواتِيمها) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَعلي بن عَيَّاش بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة الْأَلْهَانِي بالنُّون الْحِمصِي، وَأَبُو غَسَّان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة مُحَمَّد بن مطرف، وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي سَلمَة ابْن دِينَار.

والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد مطولا فِي: بَاب لَا يُقَال: فلَان شَهِيد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة عَن يَعْقُوب بن عبد الرحمان عَن أبي حَازِم ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ. وَمضى أَيْضا فِي الْمَغَازِي، وَسَيَأْتِي فِي الْقدر أَيْضا.

قَوْله: (إِلَى رجل) اسْمه قزمان بِضَم الْقَاف وبالزاي ... قَوْله: (غناء) بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وبالمد يُقَال: غنى عَن فلَان غناء نَاب عَنهُ، وأجرى مجْرَاه. قَوْله: (وَقَالَ بذبابة سَيْفه) يَعْنِي: طعن بذبابة سَيْفه، وَهُوَ حَده وطرفه بَين ثدييه، وَقد تقدم فِيمَا مضى: بنصل سَيْفه، فَلَا مُنَافَاة لِإِمْكَان الْجمع بَينهمَا. قَوْله: (فتحامل عَلَيْهِ) أَي: اتكأ عَلَيْهِ بقوته.

٤٣ - (بابٌ العُزْلَةُ راحَةٌ مِنْ خُلَاّطِ السُّوءِ)

أَي: هَذَا بَاب مترجم بترجمة هِيَ الْعُزْلَة أَي: الاعتزال والانفراد رَاحَة من خلاط السوء بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام جمع خليط وَهُوَ جمع غَرِيب وخليط الرجل الَّذِي يخالطه ويعاشره يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِد وَالْجمع وَيجمع الخليط أَيْضا على خالط بِضَمَّتَيْنِ، ذكره الصغاني فِي اللّبَاب، وَقَالَ بَعضهم: ذكره الْكرْمَانِي بِلَفْظ: خلط بِغَيْر ألف، يَعْنِي مثل مَا ذكره الصغاني.

قلت: لم يذكر الْكرْمَانِي هَكَذَا، وَإِنَّمَا قَالَ: خلاط بِضَم الْخَاء وَتَشْديد اللَّام جمع خليط وبكسرها وَالتَّخْفِيف مصدر أَي: المخالطة، هَذَا الَّذِي ذكره الْكرْمَانِي وَلم يرد بقوله: وبكسرها ... إِلَى آخِره أَنه التَّرْجَمَة، وَإِنَّمَا ذكر هَذَا لزِيَادَة الْفَائِدَة، على أَنه يجوز أَن يكون أَشَارَ بِهِ إِلَى جَوَاز الْوَجْهَيْنِ فِي قَوْله: من خلاط السوء. أَحدهمَا: أَن يكون جمعا وَالْآخر: إِن يكون مصدرا من خالط يخالط مُخَالطَة وخلاطاً. قَوْله: (رَاحَة، أَصله رَوْحَة قلبت الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا، قَالَ الْجَوْهَرِي: الرّوح والراحة من الاسْتِرَاحَة وَهُوَ سُكُون النَّفس مَعَ سَعَة من غير تنكد بِشَيْء، وَهَذِه مَادَّة وَاسِعَة تسْتَعْمل لمعان كَثِيرَة.

وَفِي الْعُزْلَة عَن النَّاس فَوَائِد كَثِيرَة وأقلها الْبعد من شرِّهم وَقد قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: وجدت النَّاس أكبر ثقلة، وروى ابْن الْمُبَارك: أخبرنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>