للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ ابْن التِّين وَجه دُخُول هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الْقدر الْإِشَارَة إِلَى أَن الله تَعَالَى قدر للْمُشْرِكين التَّكْذِيب لرؤيا نبيه الصَّادِق فَكَانَ ذَلِك زِيَادَة فِي طغيانهم والْحميدِي عبد الله بن الزبير نسبته إِلَى أحد أجداده حميد مصغر حمد وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة الْإِسْرَاء عَن عَليّ بن عبد الله وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن يحيى وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور قَوْله رُؤْيا عين أَي فِي الْيَقَظَة لَا رُؤْيا مَنَام قَوْله والشجرة الملعونة يَعْنِي شَجَرَة الزقوم الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن والشجرة مُبْتَدأ وَخَبره هِيَ شَجَرَة الزقوم وَإِنَّمَا ذكر الشَّجَرَة الملعونة لِأَنَّهَا مثل الرُّؤْيَا كَانَت فتْنَة وَقد ذكرنَا كَيفَ كَانَت فتْنَة والزقوم شَجَرَة بجهنم طَعَام أهل النَّار فَإِن قلت لم يذكر فِي الْقُرْآن لعن هَذِه الشَّجَرَة قلت قد لعن آكلوها وهم الْكفَّار قَالَ تَعَالَى {إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الأثيم} وَقَالَ {إِنَّهَا شَجَرَة تخرج فِي أصل الْجَحِيم} وَقَالَ فَإِنَّهُم {لآكلون مِنْهَا فمالؤون مِنْهَا الْبُطُون} فوصفت بلعن آكليها وَقيل طَعَام مَكْرُوه مَلْعُون ثمَّ إِن هَذِه الشَّجَرَة تنْبت فِي النَّار مخلوقة من جَوْهَر لَا تَأْكُله النَّار كسلاسل النَّار وأغلالها وعقاربها وحياتها -

١١ - (بابٌ تَحاجَّ آدَمُ ومُوسَى عَلَيْهِما السَّلامُ، عِنْدَ الله عَزَّ وجَلَّ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ تحاج آدم ومُوسَى. قَوْله: (تحاج) ، فعل ماضٍ من المحاججة وَأَصله: تحاجج، بجيمين فادغمت إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى. قَوْله: (عِنْد الله) ، قيل: يَعْنِي: فِي يَوْم الْقِيَامَة، وَقيل: فِي الدُّنْيَا.

قلت: اللَّفْظ أَعم من ذَلِك وَقد روى أَحْمد من طَرِيق يزِيد بن هُرْمُز عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: احْتج آدم ومُوسَى عِنْد ربهما، والعندية عندية اخْتِصَاص وتشريف لَا عندية مَكَان.

٤١٦٦ - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا سُفْيانُ قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمْرٍ وعنْ طاوُوسٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (احْتَجَّ آدَمُ ومُوسَى) فَقَالَ لهُ مُوسَى: يَا آدَمُ {أنْتَ أبُونا خَيَّبْتَنا وأخْرَجْتَنا مِنَ الجَنَّة، قَالَ لهُ آدَمُ: يَا مُوسَى} اصْطَفاكَ الله بكَلَامِهِ وخَطّ لَكَ بِيَدِهِ، أتَلُومُنِي عَلَى أمْرٍ قَدَّرَهُ الله عَلَيَّ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَنِي بأرْبَعِينَ سَنَة؟ فَحَجَّ آدَمُ مُوَسَى، فحَجَّ آدَمُ مُوسَى)

ثَلَاثاً.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسفاين هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْقدر أَيْضا عَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي السّنة عَن مُسَدّد وَأحمد بن صَالح. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الله وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي السّنة عَن هِشَام بن عمار وَغَيره.

قَوْله: (حفظناه من عَمْرو) وَفِي (مُسْند الْحميدِي) : عَن سُفْيَان حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار، وَفِيه التَّأْكِيد لصِحَّة رِوَايَته. قَوْله: (احْتج) أَي: تحاج وتناظر، وَفِي رِوَايَة همام وَمَالك: تحاج، كَمَا فِي التَّرْجَمَة، وَهِي أوضح، وَفِي رِوَايَة أَيُّوب عِنْد البُخَارِيّ وَيحيى بن آدم: حج آدم مُوسَى وَعَلَيْهِمَا (شرح الطَّيِّبِيّ) فَقَالَ: معنى قَوْله: (حج آدم مُوسَى) غَلبه بِالْحجَّةِ. وَقَوله: بعد ذَلِك (قَالَ مُوسَى: يَا آدم أَنْت)

إِلَى آخِره، توضيح لذَلِك وَتَفْسِير لما أجمل. وَقَوله فِي آخِره (فحج آدم ومُوسَى) تَقْرِير لما سبق وتأكيد لَهُ. قَوْله: (أَنْت أَبونَا) وَفِي رِوَايَة ابْن أبي كثير: أَنْت أَبُو النَّاس، وَفِي رِوَايَة الشّعبِيّ: أَنْت آدم أَبُو الْبشر. قَوْله: (خيبتنا) أَي: أوقعتنا فِي الخيبة وَهِي الحرمان. قَوْله: (وأخرجتنا من الْجنَّة) وَهِي دَار الْجَزَاء فِي الْآخِرَة وَهِي مخلوقة قبل آدم. قَوْله: (وَخط لَك بِيَدِهِ) من المتشابهات فإمَّا أَن يُفَوض إِلَى الله تَعَالَى، وَإِمَّا أَن يؤول بِالْقُدْرَةِ، وَالْغَرَض مِنْهُ كِتَابَة أَلْوَاح التَّوْرَاة. قَوْله: (على أَمر قدره الله) ويروى: قدر الله، بِدُونِ الضَّمِير، وَهِي رِوَايَة السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي، وَالْمرَاد بالتقدير هُنَا الْكِتَابَة فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَو فِي صحف التَّوْرَاة، وإلَاّ فتقدير الله أزلي. قَوْله: (بِأَرْبَعِينَ سنة) قَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بالأربعين سنة مَا بَين قَوْله تَعَالَى: {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} (الْبَقَرَة: ٠٣) إِلَى نفخ الرّوح فِي آدم، وَقيل: ابْتِدَاء الْمدَّة وَقت الْكِتَابَة فِي الألواح وَآخِرهَا ابْتِدَاء خلق آدم. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: المعلومات كلهَا قد أحَاط بهَا علم الله الْقَدِيم قبل وجود الْمَخْلُوقَات كلهَا. وَلَكِن كتَابَتهَا وَقعت فِي أَوْقَات مُتَفَاوِتَة، وَقد ثَبت فِي (صَحِيح مُسلم) : إِن الله قدر الْمَقَادِير قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ ألف سنة، فَيجوز أَن تكون

<<  <  ج: ص:  >  >>