للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَي: إِن قيل لرجل يَعْنِي: لَو قَالَ رجل لرجل لتشربن الْخمر وأكرهه على ذَلِك، أَو قَالَ: لتأكلن الْميتَة وأكرهه على ذَلِك، أَو قَالَ لَهُ: لتبيعن عَبدك وأكرهه على ذَلِك، وَهَذِه الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة كلهَا مُؤَكدَة بالنُّون الثَّقِيلَة وباللامات الْمَفْتُوحَة فِي أوائلها. قَوْله: أَو تقر أَي: أَو قَالَ لَهُ: لتقر بدين لفُلَان وأكرهه على ذَلِك، أَو قَالَ لَهُ: تهب هبة لفُلَان وأكرهه على ذَلِك، قَوْله: وكل عقدَة لفظ كل مُضَافَة إِلَى لفظ عقدَة وَهُوَ مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف أَي: كَذَلِك، نَحْو أَن يَقُول: لتقرضن أَو لتؤجرن وَنَحْوهمَا. ويروى: أَو تحل عقدَة، عطف على مَا قبله، وَتحل فعل مضارع مُخَاطب من الْحل بِالْحَاء الْمُهْملَة، قَالَ الْكرْمَانِي: المُرَاد بِحل الْعقْدَة فَسخهَا. قَوْله: أَبَاك أَو أَخَاك فِي الْإِسْلَام، إِنَّمَا قيد بِالْإِسْلَامِ ليجعله أَعم من الْأَخ الْقَرِيب من النّسَب. قَوْله: وَسعه ذَلِك، أَي: جَازَ لَهُ لَهُ لَنَقْتُلَنَّ أَبَاك أَو قَالَ أَي الْأكل وَالشرب وَالْإِقْرَار وَالْهِبَة لتخليص الْأَب وَالْأَخ فِي الدّين، يَعْنِي: الْمُؤمن عَن الْقَتْل. وَقَالَ ابْن بطال: مُرَاد البُخَارِيّ أَن من هدد بقتل وَالِده أَو بقتل أَخِيه فِي الْإِسْلَام إِن لم يفعل شَيْئا من الْمعاصِي أَو يقر على نَفسه بدين لَيْسَ عَلَيْهِ، أَو يهب شَيْئا لغيره بِغَيْر طيب نفس مِنْهُ، أَو يحل عقدا كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق بِغَيْر اخْتِيَاره، فَلهُ أَن يفعل جَمِيع مَا هدده بِهِ لينجو أَبوهُ من الْقَتْل، وَكَذَا أَخُوهُ الْمُسلم. قَوْله: لقَوْل النَّبِي دَلِيل. قَوْله: أَو أَخَاك فِي الْإِسْلَام، وَقد تقدم هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب الْمَظَالِم.

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لوْ قِيلَ لهُ لَتَشْرَبَنَّ الخَمْرَ أوْ لَتأْكُلَّنَّ المَيْتَةَ. أوْ لَتَقْتُلَنَّ ابْنَكَ أوْ أباكَ أوْ ذَا رَحِمٍ مُحَرَّمٍ لم يَسَعْهُ، لأنَّ هاذا لَيْسَ بِمُضْطَرَ ثُمَّ ناقَضَ، فَقَالَ: إنْ قِيلَ لهُ لَنَقْتُلَنَّ أباكَ أوِ ابْنَكَ أوْ لَتَبِيعَنَّ هاذا العَبْدَ أوْ تُقِرُّ بِدِينٍ أَو تَهَبُ، يَلْزَمُهُ فِي القِياسِ، ولاكِنَّا نَسْتَحْسِنُ ونَقُولُ: البَيْعُ والهِبَةُ وكُلُّ عُقْدَةٍ فِي ذالِكَ باطِلٌ، فَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مُحَرِّمٍ وغَيْرِهِ بِغَيْرِ كِتابٍ وَلَا سُنَّةٍ.

قيل أَرَادَ بِبَعْض النَّاس الْحَنَفِيَّة. قَوْله: لَو قيل لَهُ أَي: قَالَ ظَالِم لرجل وَأَرَادَ قتل وَالِده: لتشربن الْخمر أَو لتأكلن الْميتَة. قَوْله: أَو لَنَقْتُلَنَّ ابْنك أَي: أَو قَالَ: لَنَقْتُلَنَّ ابْنك إِن لم تفعل مَا أَقُول لَك. قَوْله: أَو ذَا رحم محرم أَي: أَو قَالَ: لَنَقْتُلَنَّ ذَا رحم محرم لَك إِن لم تفعل كَذَا، وَالْمحرم هُوَ من لَا يحل نِكَاحهَا أبدا لِحُرْمَتِهِ. قَوْله: لم يَسعهُ أَي: لم يَسعهُ أَن يفعل مَا أمره بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بمضطر فِي ذَلِك لِأَن الْإِكْرَاه إِنَّمَا يكون فِيمَا يتَوَجَّه إِلَى الْإِنْسَان فِي خَاصَّة نَفسه لَا فِي غَيره، وَلَيْسَ لَهُ أَن يدْفع بهَا معاصي غَيره، فَإِن فعل يَأْثَم، وَعند الْجُمْهُور: لَا يَأْثَم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يُقَال: إِنَّه لَيْسَ بمضطر لِأَنَّهُ مُخَيّر فِي أُمُور مُتعَدِّدَة والتخيير يُنَافِي الْإِكْرَاه. وَقَالَ بَعضهم. قَوْله: فِي أُمُور مُتعَدِّدَة لَيْسَ كَذَلِك، بل الَّذِي يظْهر أَن: أَو، فِيهِ للتنويع لَا للتَّخْيِير وَأَنَّهَا أَمْثِلَة لأمثال وَاحِد. قلت: مَا الَّذِي يظْهر أَن: أَو، فِيهِ للتنويع؟ بل هِيَ للتَّخْيِير لِأَنَّهَا وَقعت بعد الطّلب. قَوْله: ثمَّ نَاقض الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى بعض النَّاس بَيَان التَّنَاقُض على زَعمه أَنهم قَالُوا بِعَدَمِ الْإِكْرَاه فِي الصُّورَة الأولى، وَقَالُوا بِهِ فِي الصُّورَة الثَّانِيَة من حَيْثُ الْقيَاس، ثمَّ قَالُوا بِبُطْلَان البيع وَنَحْوه اسْتِحْسَانًا، فقد ناقضوا إِذْ يلْزم القَوْل بِالْإِكْرَاهِ، وَقد قَالُوا بِعَدَمِ الْإِكْرَاه. قلت: هَذِه المناقضة مَمْنُوعَة لِأَن الْمُجْتَهد يجوز لَهُ أَن يُخَالف قِيَاس قَوْله بالاستحسان، وَالِاسْتِحْسَان حجَّة عِنْد الْحَنَفِيَّة. قَوْله: فرقوا بَين كل ذِي رحم محرم وَغَيره بِغَيْر كتاب وَلَا سنة أَرَادَ بِهِ أَن مَذْهَب الْحَنَفِيَّة فِي ذِي الرَّحِم بِخِلَاف مَذْهَبهم فِي الْأَجْنَبِيّ، فَلَو قيل لرجل: لتقتلن هَذَا الرجل الْأَجْنَبِيّ أَو لتبيعن كَذَا، فَفعل لينجيه من الْقَتْل لزمَه البيع، وَلَو قيل لَهُ ذَلِك فِي ذِي رحم محرم لم يلْزمه مَا عقده. قلت: هَذَا أَيْضا بطرِيق الِاسْتِحْسَان، وَهُوَ غير خَارج عَن الْكتاب وَالسّنة. أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَائِكَ هُمْ أُوْلُو الَاْلْبَابِ} وَأما السّنة فَقَوله مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حسنا فَهُوَ عِنْد الله حسن وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَمَا ذكره البُخَارِيّ من أَمْثَال هَذِه المباحث غير مُنَاسِب لوضع هَذَا الْكتاب إِذْ هُوَ خَارج عَن فنه. قلت: أنكر عَلَيْهِ بَعضهم هَذَا الْكَلَام، فَقَالَ: للْبُخَارِيّ أُسْوَة بالأئمة الَّذين سلك طريقهم: كالشافعي وَأبي ثَوْر والْحميدِي وَأحمد وَإِسْحَاق، فَهَذِهِ طريقتهم فِي الْبَحْث. انْتهى. قلت: لم يسْلك أحد مِنْهُم فِيمَا جمعه من الحَدِيث خَاصَّة هَذَا المسلك، وَإِنَّمَا ذكرُوا فِي مؤلفات مُشْتَمِلَة على الْأُصُول وَالْفُرُوع، وَإِن ذكر أحد

<<  <  ج: ص:  >  >>