للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وسُفْيَان. الْخَامِس: لَا يقنقص إلَاّ نوم الرَّاكِع، وَهُوَ قَول عَن أَحْمد ذكره ابْن التِّين. السَّادِس: لَا ينْقض إلَاّ نوم الساجد، رُوِيَ أَيْضا عَن أَحْمد. السَّابِع: من نَام سَاجِدا فِي مُصَلَّاهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وضوء. وَإِن نَام سَاجِدا فِي غير صَلَاة تَوَضَّأ، وَإِن تعمد النّوم فِي الصَّلَاة فَعَلَيهِ الْوضُوء، وَهُوَ قَول ابْن الْمُبَارك. الثَّامِن: لَا ينْقض النّوم الْوضُوء فِي الصَّلَاة، وينقض خَارج الصَّلَاة، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. التَّاسِع: إِذا نَام جَالِسا مُمكنا مقعدته من الأَرْض لم ينْقض، سَوَاء قل أَو كثر، وَسَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَو خَارِجهَا، وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي، رَحمَه الله تَعَالَى؛ وَقَالَ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: تتبع عُلَمَاؤُنَا مسَائِل النّوم الْمُتَعَلّقَة بالأحاديث الجامعة لتعارضها، فوجدوها أحد عشر حَالا: مَاشِيا، وَقَائِمًا، ومستنداً، وراكعاً، وَقَاعِدا متربعاً، ومحتبياً، ومتكئاً، وراكباً، وساجداً، ومضطجعاً، ومستقراً. وَهَذَا فِي حَقنا، فَأَما سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن خَصَائِصه أَنه لَا ينْتَقض وضوؤه بِالنَّوْمِ، مُضْطَجعا وَلَا غير مُضْطَجع.

٢١٢ - حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عَنْ هِشامٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ عائِشَةَ أَن رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَ إذَا نَعَسَ أحَدُكُمْ وَهْوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عنهُ النَّوْمُ فانَّ أحَدَكُمْ إذَ صَلَّى وَهْوَ ناعِسٌ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ.

مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث وَالَّذِي بعده للتَّرْجَمَة تفهم من معنى الحَدِيث، فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أوجب قطع الصَّلَاة، وَأمر بالرقاد دلّ ذَلِك على أَنه كَانَ مُسْتَغْرقا فِي النّوم، فَإِنَّهُ علل ذَلِك بقوله: (فان أحدكُم) الخ، وَفهم من ذَلِك أَنه إِذا كَانَ النعاس أقل من ذَلِك، وَلم يغلب عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَعْفُو عَنهُ، وَلَا وضوء فِيهِ: وَأَشَارَ البُخَارِيّ إِلَى ذَلِك بقوله: (وَمن لم من النعسة) الخ، وَلَا غَلَبَة فِي النعسة والنعستين، فَإِذا زَادَت يغلب عَلَيْهِ النّوم فينتقض وضوؤه، كَمَا ذكرنَا، وَكَذَلِكَ لَا غَلَبَة فِي الخفقة الْوَاحِدَة كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ عَن قريب، وَقَالَ ابْن الْمُنِير: فان قلت: كَيفَ مخرج التَّرْجَمَة من الحَدِيث ومضمونها أَن لَا يتَوَضَّأ من النعاس الْخَفِيف، ومضمون الحَدِيث النَّهْي عَن الصَّلَاة مَعَ النعاس؟ قلت: إِمَّا أَن يكون البُخَارِيّ تلقاها من مَفْهُوم تَعْلِيل النَّهْي عَن الصَّلَاة حِينَئِذٍ بذهاب الْعقل الْمُؤَدِّي إِلَى أَن ينعكس الْأَمر: (يُرِيد أَن يَدْعُو فيسب نَفسه) ، فَإِنَّهُ دلّ أَنه إِن لم يبلغ هَذَا الْمبلغ صلى بِهِ، وَإِمَّا أَن يكون تلقاها من كَونه إِذا بَدَأَ بِهِ النعاس، وَهُوَ فِي النَّافِلَة اقْتصر على إتْمَام مَا هُوَ فِيهِ وَلم يسْتَأْنف أُخْرَى، فتماديه على مَا كَانَ فِيهِ يدل على أَن النعاس الْيَسِير لَا يُنَافِي الطَّهَارَة، وَلَيْسَ بِصَرِيح فِي الحَدِيث، بل يحْتَمل قطع الصَّلَاة الَّتِي هُوَ فِيهَا، وَيحْتَمل النَّهْي عَن اسْتِئْنَاف شَيْء آخر، وَالْأول أظهر.

بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة ذكرُوا كلهم غير مرّة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام عَن عَائِشَة، رَضِي الله عَنْهَا. وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ صرح بِذكر عُرْوَة، والرواة كلهم مدنيون غير شيخ البُخَارِيّ.

بَيَان من أخرجه غَيره أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة عَن مَالك. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي عَن مَالك.

بَيَان الْمَعْنى وَالْإِعْرَاب قَوْله: (وَهُوَ يُصَلِّي) جملَة إسمية وَقعت حَالا. قَوْله: (فليرقد) أَي: فلينم، وللنسائي من طَرِيق أَيُّوب عَن هِشَام: (فلينصرف) ، وَالْمرَاد بِهِ الْخُرُوج من الصَّلَاة بِالتَّسْلِيمِ، فان قلت: فقد جَاءَ فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس، فِي نَومه فِي بَيت مَيْمُونَة رَضِي الله عَنْهَا: (فَجعلت إِذا غفيت يَأْخُذ بشحمتي أُذُنِي) ، وَلم يَأْمُرهُ بِالنَّوْمِ. قلت: لِأَنَّهُ جَاءَ تِلْكَ اللَّيْلَة ليتعلم مِنْهُ فَفعل ذَلِك ليَكُون أثبت لَهُ. فان قلت: الشَّرْط هُوَ سَبَب للجزاء، فههنا النعاس سَبَب للنوم أَو لِلْأَمْرِ بِالنَّوْمِ؟ قلت: مثله مُحْتَمل للأمرين، كَمَا يُقَال فِي نَحْو: اضربه تاديباً، لِأَن التَّأْدِيب مفعول لَهُ، إِمَّا لِلْأَمْرِ بِالضَّرْبِ وَإِمَّا للْمَأْمُور بِهِ، وَالظَّاهِر الأول. قَوْله: (وَهُوَ ناعس) جملَة اسمية وَقعت حَالا. فَإِن قلت: مَا الْفَائِدَة فِي تَغْيِير الأسلوب حَيْثُ قَالَ: ثمَّة وَهُوَ يُصَلِّي، بِلَفْظ الْفِعْل، وَهَهُنَا: وَهُوَ ناعس، بِلَفْظ إسم الْفَاعِل؟ قلت: ليدل على أَنه لَا يَكْفِي تجدّد أدنى نُعَاس وتقضيه فِي الْحَال، بل لَا بُد من ثُبُوته بِحَيْثُ يُفْضِي إِلَى عدم درايته بِمَا يَقُول. وَعدم علمه بِمَا يقْرَأ. فَإِن قلت: هَل فرق بَين نعس وَهُوَ يُصَلِّي، وَصلى وَهُوَ ناعس؟ قلت: الْفرق الَّذِي بَين ضرب قَائِما، وَقَامَ ضَارِبًا، وَهُوَ احْتِمَال الْقيام بِدُونِ الضَّرْب فِي الأول، وَاحْتِمَال الضَّرْب بِدُونِ الْقيام فِي الثَّانِي. وَإِنَّمَا اخْتَار ذَلِك ثمَّة وَهَذَا هُنَا لِأَن الْحَال قيد وفضلة، وَالْأَصْل فِي الْكَلَام هُوَ مَاله الْقَيْد، فَفِي الأول: لَا شكّ أَن النعاس هُوَ عِلّة الْأَمر بالرقاد لَا الصَّلَاة فَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>