للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتحريك شفيته وَلسَانه عمل لَهُ يُؤجر عَلَيْهِ، وَكَانَ يُحَرك بِهِ لِسَانه عِنْد قِرَاءَة جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، مبادرة مِنْهُ مَا يسمعهُ، فَنَهَاهُ الله تَعَالَى عَن ذَلِك وَرفع عَنهُ الكلفة وَالْمَشَقَّة الَّتِي كَانَت تناله فِي ذَلِك مَعَ ضَمَانه تَعَالَى تسهيل الْحِفْظ عَلَيْهِ وَجمعه لَهُ فِي صَدره، كَمَا ذكره فِي حَدِيث الْبَاب.

وَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ قَالَ الله تَعَالَى: أَنا مَعَ عَبْدِي حَيْثُما ذَكَرَنِي وتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتاهُ

هَذَا من الْأَحَادِيث الَّتِي علقها البُخَارِيّ وَلم يصلها فِي مَوضِع آخر فِي كِتَابه. وَأخرجه أَحْمد بأتم مِنْهُ وَلَفظه: إِذا ذَكرنِي، ويروى: مَا إِذا ذَكرنِي. قَوْله: أَنا مَعَ عَبدِي هَذِه الْمَعِيَّة معية الرَّحْمَة، وَأما فِي قَوْله: وَهُوَ مَعكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُم فَهِيَ معية الْعلم. وَحَاصِل الْكَلَام أَنا مَعَ عَبدِي زمَان ذكره لي بِالْحِفْظِ والكلاءة لَا على أَنه مَعَه بِذَاتِهِ، وَمعنى قَوْله: وتحركت بِي شفتاه تحركت باسمي وَذكره لي إِذْ محَال حُلُوله فِي الْأَمَاكِن ووجوده فِي الأفواه وتعاقب الحركات عَلَيْهِ.

٧٥٢٤ - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ، حدّثنا أبُو عَوَانَة، عنْ مُوسَى بنِ أبي عَائِشَةَ، عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} قَالَ: كانَ النبيُّ يُعالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً وكانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ فَقَالَ لي ابنُ عَبَّاسٍ: أُحَرِّكُهُما لَكَ كَمَا كانَ رسولُ الله يُحَرِّكُهُما؟ فَقَالَ سَعيدٌ: أَنا أُحَرِّكُهُما كَمَا كانَ ابنُ عبَّاس يُحَرِّكُهُما، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ فأنْزَلَ الله عَزَّ وجَلَّ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ} قَالَ: جَمْعُهُ فِي صَدْركَ ثُم تَقْرَأُوهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ} قَالَ: فاسْتَمِعْ لهُ وأنْصِتْ: {ثمَّ إِن علينا} أَن تَقْرَأهُ. قَالَ: فَكانَ رسولُ الله إذَا أتاهُ جِبْرِيلُ، عليْهِ السَّلَامُ، استَمَعَ فإذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأهُ النبيُّ كَما أقْرَأهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي، ومُوسَى بن أبي عَائِشَة أَبُو بكر الْهَمدَانِي.

والْحَدِيث تقدم مشروحاً فِي أول الْكتاب، وَالْمَقْصُود من الْبَاب بَيَان كَيْفيَّة تلقي النَّبِي كَلَام الله من جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام. وَقيل: مُرَاد البُخَارِيّ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثين الْمُعَلق والموصول الرَّد على من زعم أَن قِرَاءَة القارىء قديمَة، فأبان أَن حَرَكَة اللِّسَان بِالْقُرْآنِ فعل القارىء بِخِلَاف المقروء فَإِنَّهُ كَلَام الله الْقَدِيم، كَمَا أَن حَرَكَة لِسَان ذكر الله حَادِثَة من فعله، وَالْمَذْكُور وَهُوَ الله تَعَالَى قديم، وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ بالتراجم الَّتِي تَأتي بعد هَذَا.

٤٤ - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} يَتَخَافَتُونَ يَتسارُّونَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل: {وأسروا قَوْلكُم أَو اجهروا بِهِ} يَعْنِي: أَن الله عَالم بالسر من أقوالكم والجهر بِهِ فَلَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء من ذَلِك. وَقَالَ ابْن بطال: مُرَاده بِهَذَا الْبَاب إِثْبَات الْعلم لله تَعَالَى صفة ذاتية لِاسْتِوَاء علمه بالجهر من القَوْل والسر، وَقد بَينه فِي آيَة أُخْرَى: {سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِالَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} وَأَن اكْتِسَاب العَبْد من القَوْل وَالْفِعْل لله تَعَالَى لقَوْله: {وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ثمَّ قَالَ عقيب ذَلِك: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} فَدلَّ على أَنه عَالم بِمَا أسروه وَمَا جهروا بِهِ وَأَنه خَالق لذَلِك فيهم. وَقَالَ ابْن الْمُنِير: ظن الشَّارِح أَنه قصد بالترجمة إِثْبَات الْعلم وَلَيْسَ كَمَا ظن وإلَاّ لتعاطفت الْمَقَاصِد مِمَّا اشْتَمَلت عَلَيْهِ التَّرْجَمَة، لِأَنَّهُ لَا مُنَاسبَة بَين الْعلم وَبَين حَدِيث: لَيْسَ منا من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا قصد البُخَارِيّ الْإِشَارَة إِلَى النُّكْتَة الَّتِي كَانَت سَبَب محنته بِمَسْأَلَة اللَّفْظ، فَأَشَارَ بالترجمة إِلَى أَن تلاوات الْخلق تتصف بالسر والجهر ويستلزم أَن تكون مخلوقة، وَسِيَاق الْكَلَام يَأْبَى ذَلِك، فقد قَالَ البُخَارِيّ فِي كتاب خلق أَفعَال الْعباد بعد أَن ذكر عدَّة أَحَادِيث دَالَّة على ذَلِك: فَبين النَّبِي، أَن أصوات الْخلق وقراءتهم ودراستهم وتعليمهم وألسنتهم مُخْتَلفَة

<<  <  ج: ص:  >  >>