للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الَّذِي يتَوَضَّأ مِنْهُ لَا يجوز، وَإِن كَانَ أَكثر رَأْيه أَنَّهَا لم تصل إِلَيْهِ يجوز. وَقد استقصينا الْكَلَام فِيهِ فِي (شرحنا لمعاني الْآثَار) للطحاوي، رَحمَه الله تَعَالَى.

وقالَ حَمَّادٌ: لَا بَأْسَ بِرِيشِ المَيْتَةِ

حَمَّاد: على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ، هُوَ الإِمَام ابْن أبي سُلَيْمَان، شيخ الإِمَام ابي حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، تقدم فِي بَاب قِرَاءَة الْقُرْآن بعد الْحَدث. قَوْله: (لَا بَأْس) أَي: لَا حرج (بريش الْميتَة) يَعْنِي: لَيْسَ بِنَجس، وَلَا ينجس المَاء الَّذِي وَقع فِيهِ، سَوَاء كَانَ ريش الْمَأْكُول لَحْمه أَو غَيره؛ وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه: حَدثنَا معمر عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان أَنه قَالَ: لَا بَأْس بصوف الْميتَة، وَلَكِن يغسل، وَلَا بَأْس بريش الْميتَة، وَهَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة أَيْضا وَأَصْحَابه.

وقالَ الزُّهْرِيُّ فِي عظامِ المَوْتَى نَحْوِ الفِيلِ وغَيْرِهِ أَدْرَكْتُ نَاسا مِنْ سَلَفِ العُلمَاءِ يَمْتَشِطونَ بهَا ويَدَّهِنونَ فِيها لَا يَرَوْنَ بِهِ بَاساً

الزُّهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم. قَوْله: (وَغَيره) أَي: غير الْفِيل مِمَّا لَا يُؤْكَل. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: (غَيره) يحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ مَا هُوَ من جنسه من الَّذِي لَا تُؤثر الذَّكَاة فِيهِ، أَي: مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه، وَأَن يُرِيد أَعم من ذَلِك. قلت: هَذَا الَّذِي ذكره يمشي على مَذْهَب الشَّافِعِي، وَعِنْدنَا جَمِيع أَجزَاء الْميتَة الَّتِي لَا دم فِيهَا: كالقرن وَالسّن والظلف والحافر والخف والوبر وَالصُّوف طَاهِر، وَفِي العصب رِوَايَتَانِ، وَذهب عمر بن عبد الْعَزِيز وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَمَالك وَأحمد وَإِسْحَاق والمزني وَابْن الْمُنْذر: إِلَى أَن الشّعْر وَالصُّوف والوبر والريش طَاهِرَة لَا تنجس بِالْمَوْتِ، كمذهبنا، والعظم والقرن والظلف وَالسّن نَجِسَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: الْكل نجس إلَاّ الشّعْر، فَإِن فِيهِ خلافًا ضَعِيفا. وَفِي الْعظم أَضْعَف مِنْهُ. وَأما الْفِيل فَفِيهِ خلاف بَين أَصْحَابنَا، فَعِنْدَ مُحَمَّد هُوَ نجس الْعين حَتَّى لَا يجوز بيع عظمه وَلَا يطهر جلده بالدباغ وَلَا بالذكاة، وَعند أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف هُوَ كَسَائِر السباغ، فَيجوز الِانْتِفَاع بعظمه وَجلده بالدباغ. قَوْله: (أدْركْت نَاسا) التَّنْوِين فِيهِ للتكثير أَي نَاسا كثيرين. قَوْله: (يمتشطون بهَا) أَي: بعظام الْمَوْتَى، يَعْنِي يجْعَلُونَ مِنْهَا مشطاً ويستعملونه، فَهَذَا يدل على طَهَارَته، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة أَيْضا. قَوْله: (ويدَّهنون فِيهَا) اي: فِي عِظَام الْمَوْتَى، يَعْنِي: يجْعَلُونَ مِنْهَا مَا يحط فِيهِ الدّهن وَنَحْوه، وأصل: يدهنون: يتدهنون، لِأَنَّهُ من بَاب الافتعال، فقلبت التَّاء دَالا وادغمت الدَّال فِي الدَّال؛ وَقَالَ بَعضهم: يجوز ضم أَوله وَإِسْكَان الدَّال. قلت: فعلى هَذَا يكون من بَاب الادهان، فَلَا يُنَاسب مَا قبله إلَاّ إِذا جَاءَت فِيهِ رِوَايَة بذلك، وَذَلِكَ لِأَن مَعْنَاهُ بِالتَّشْدِيدِ هم يدهنون أنفسهم، وَإِذا كَانَ من بَاب الإفعال يكون الْمَعْنى: هم يدهنون غَيرهم، فَلَا منع من ذَلِك إلَاّ أَنه مَوْقُوف على الرِّوَايَة. وَنقل بعض الشُّرَّاح عَن السفاقسي فِيهِ ثَلَاثَة أوجه: إثنان مِنْهَا مَا ذكرناهما الْآن، وَالْوَجْه الثَّالِث: هُوَ بتَشْديد الدَّال وَتَشْديد الْهَاء، أَيْضا. قلت: لَا منع من ذَلِك من حَيْثُ قَاعِدَة التصريف، وَلَكِن رِعَايَة السماع أولى مَعَ رِعَايَة الْمُنَاسبَة بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ. قَوْله: (لَا يرَوْنَ بِهِ بَأْسا) أَي حرجاً، فَلَو كَانَ نجسا لما استعملوه امتشاطاً وادهاناً، وَعلم مِنْهُ أَنه إِذا وَقع مِنْهُ شَيْء فِي المَاء لَا يُفْسِدهُ. وَقَالَ ابْن بطال: ريش الْميتَة وَعظم الفيلة وَنَحْوهَا طَاهِر عِنْد ابي حنيفَة، كَأَنَّهُ تعلق بِحَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَوْقُوف: إِنَّمَا حرم من الْميتَة مَا يُؤْكَل مِنْهَا وَهُوَ اللَّحْم، فَأَما الْجلد وَالسّن والعظم وَالشعر وَالصُّوف فَهُوَ حَلَال. قَالَ يحيى بن معِين: تفرد بِهِ أَبُو بكر الْهُذلِيّ عَن الزُّهْرِيّ، وَهُوَ لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد روى عبد الْجَبَّار بن مُسلم وَهُوَ ضَعِيف عَن الزُّهْرِيّ شَيْئا فِي مَعْنَاهُ، وَحَدِيث أم سَلمَة مَرْفُوعا: (لَا بَأْس بمسك الْميتَة إِذا دبغ، وَلَا بشعرها إِذا غسل بِالْمَاءِ) . إِنَّمَا رَوَاهُ يُوسُف بن أبي السّفر، وَهُوَ مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن بطال: عظم الفيلة وَنَحْوه نجس عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ، كِلَاهُمَا احتجا بِمَا روى الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يكره أَن يدهن فِي مدهن من عِظَام الْفِيل، وَفِي (المُصَنّف) : وَكَرِهَهُ عمر ابْن عبد الْعَزِيز وَعَطَاء وطاووس، وَقَالَ ابْن الْمَوَّاز: نهىَ مَالك عَن الِانْتِفَاع بِعظم الْميتَة والفيل، وَلم يُطلق تَحْرِيمهَا لِأَن عُرْوَة وَابْن شهَاب وَرَبِيعَة

أَجَازُوا الامتساط بهَا. وَقَالَ ابْن حبيب: أجَاز اللَّيْث وَابْن الْمَاجشون وَابْن وهب ومطرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>