للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَكلمَة: فِي، تَأتي بِمَعْنى على كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ولأصلبنكم فِي جزوع النّخل} (سُورَة طه: ٧١) أَي: عَلَيْهَا وَيجوز أَن يقدر، وَاضِعا رَأسه على حجر امْرَأَته ومستنداً إِلَيْهِ.

ثمَّ وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ اشْتِمَال كل مِنْهَا على حكم مُتَعَلق بالحائض، وَهُوَ ظَاهر.

وكانَ أَبُو وَائِلٍ يُرْسِلُ خَادِمَهُ وهَيَ حائضٌ إلَى أبي رَزِينٍ فَتَأْتِيهِ بالمُصْحَفٍ فَتُمُسِكُهُ بَعِلَاقَتِهِ

الْكَلَام فِي هَذَا على أَنْوَاع.

الأول: فِي وَجه مُطَابقَة هَذَا للتَّرْجَمَة فَقَالَ: صَاحب (التَّلْوِيح) وَتَبعهُ صَاحب (التَّوْضِيح) لما ذكر البُخَارِيّ حمل الْحَائِض العلاقة الَّتِي فِيهَا الْمُصحف، نطرها بِمن يحفظ الْقُرْآن فَهُوَ حامله، لِأَنَّهُ فِي جَوْفه، كَمَا رُوِيَ عَن سعيد ابْن الْمسيب وَسَعِيد بن جُبَير، هُوَ فِي جَوْفه ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، ورقة وَهُوَ جنب قَالَ: فِي جوفي أَكثر من هَذَا وَنزل ثِيَاب الْحَائِض بِمَنْزِلَة العلاقة، وَقِرَاءَة الرجل بِمَنْزِلَة الْمُصحف، لكَونه فِي جَوْفه. قلت: هَذَا فِي غَايَة الْبعد، لِأَن بَين قِرَاءَة الرجل فِي حجر امْرَأَته، وَبَين حمل الْحَائِض الْمُصحف بعلاقته بون عَظِيم من الْجِهَة الَّتِي ذكرت، لِأَن قَوْله: نظرها، إِمَّا تَشْبِيه وَإِمَّا قِيَاس، فَإِن أَرَادَ بِهِ التَّشْبِيه، وَهُوَ تَشْبِيه محسوس بمعقول، فَلَا وَجه للتشبيه، وَإِن أَرَادَ بِهِ الْقيَاس فشروطه غير مَوْجُودَة فِيهِ، وَيُمكن أَن يُقَال: وَجه التطابق بَينهمَا هُوَ جَوَاز الحكم فِي كل مِنْهُمَا، فَكَمَا تجوز قِرَاءَة الرجل فِي حجر الْحَائِض. فَكَذَلِك يجوز حمل الْحَائِض الْمُصحف بعلاقته، وَفِي كل مِنْهُمَا دخل للحائض، وَفِيه وَجه التطابق. ثمَّ لَو قيل: مَا قيل فِي ذَلِك فَلَا يَخْلُو عَن تعسف.

النَّوْع الثَّانِي: أَن هَذَا الْأَثر أخرجه ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) بِسَنَد صَحِيح، فَقَالَ: حَدثنَا جرير عَن مُغيرَة، كَانَ أَبُو وَائِل. فَذكره.

النَّوْع الثَّالِث: فِي مَعْنَاهُ: فَقَوله: (يُرْسل خادمه) الْخَادِم اسْم لمن يخْدم غَيره، وَيُطلق على الْغُلَام وَالْجَارِيَة، فَلذَلِك قَالَ: وَهِي حَائِض، فأنث الضَّمِير. قَوْله: (بعلاقته) بِكَسْر الْعين: مَا يتَعَلَّق بِهِ الْمُصحف، وَكَذَلِكَ علاقَة السَّيْف وَنَحْو ذَلِك. وَأَبُو وَائِل: اسْمه شَقِيق بن سَلمَة الْأَسدي أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يره، روى عَن كثيرين من الصَّحَابَة، وَقَالَ يحيى بن معِين ثِقَة لَا يسْأَل عَن مثله، قَالَ الْوَاقِدِيّ مَاتَ فِي خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله عَنهُ، وَأَبُو رزين، بِفَتْح الرَّاء وَكسر الزَّاي الْمُعْجَمَة اسْمه مَسْعُود بن مَالك الْأَسدي مولى أبي وَائِل وَأَبُو الْكُوفِي التَّابِعِيّ، روى لَهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة.

النَّوْع الرَّابِع فِي استنباط الحكم مِنْهُ. وَهُوَ جَوَاز حمل الْحَائِض الْمُصحف بعلاقته، وَكَذَلِكَ الْجنب، وَمِمَّنْ أجَاز ذَلِك عبد الله بن عمر بن الْخطاب وَعَطَاء وَالْحسن الْبَصْرِيّ، وَمُجاهد وَطَاوُس وَأَبُو وَائِل رزين وَأَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَالشعْبِيّ وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَقَالَ ابْن بطال: رخص فِي حمله الحكم وَعَطَاء ابْن أبي رَبَاح وَسَعِيد بن جُبَير وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَأهل الظَّاهِر، وَمنع الحكم مَسّه بباطن الْكَفّ خَاصَّة، وَقَالَ ابْن حزم، وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَالسُّجُود فِيهِ وَمَسّ الْمُصحف وَذكر الله تَعَالَى جَائِز، كل ذَلِك وضوء وَبلا وضوء وللجنب وَالْحَائِض، وَهُوَ قَول ربيعَة وَسَعِيد بن الْمسيب وَابْن جُبَير وَابْن عَبَّاس وَدَاوُد وَجَمِيع أَصْحَابنَا، وَأما مس الْمُصحف فَإِن الْآثَار الَّتِي احْتج بهَا من لم يجز للْجنب مَسّه، فآنه لَا يَصح مِنْهَا شَيْء لِأَنَّهَا إِمَّا مُرْسلَة وَإِمَّا صحيفَة لَا يسْتَند بِهِ، وَأما عَن ضَعِيف، وَالصَّحِيح عَن ابْن عَبَّاس عَن أبي سُفْيَان حَدِيث هِرقل الَّذِي فِيهِ و {يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَن لَا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله فَإِن توَلّوا فَقولُوا: {أشهدوا بِأَنا مُسلمُونَ} (سُورَة آل عمرَان: ٦٤) فَهَذَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد بعث كتابا فِيهِ قُرْآن للنصاري، وَقد أَيقَن أَنهم يمسونه، فَإِن ذكرُوا حَدِيث ابْن عمر، (نهى أَن يُسَافر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو مَخَافَة أَن يَنَالهُ الْعَدو) قُلْنَا: هَذَا حق يلْزم اتِّبَاعه وَلَيْسَ فِيهِ لَا يمس الْمُصحف جنب وَلَا كَافِر، وَإِنَّمَا فِيهِ أَن لَا ينَال أهل الْحَرْب الْقُرْآن فَقَط، فَإِن قَالُوا: إِنَّمَا بعث إِلَى هِرقل بِآيَة وَاحِدَة، قيل: لَهُم: وَلم يمْنَع من غَيرهَا وَأَنْتُم أهل قِيَاس، فَإِن لم تقيسوا على الْآيَة مَا هُوَ أَكثر مِنْهَا فَلَا تقيسوا على هَذِه الْآيَة غَيرهَا فَإِن ذكرُوا قَوْله جلّ وَعلا: {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} (سُورَة الْوَاقِعَة: ٧٩) قُلْنَا: لَا حجَّة فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أمرا وَإِنَّمَا هُوَ خير، والرب تَعَالَى لَا يَقُول إلَاّ حَقًا وَلَا يجوز أَن يصرف لفظ الْخَبَر إِلَى معنى الْأَمر إلَاّ بِنَصّ جلي أَو إِجْمَاع مُتَيَقن، فَلَمَّا رَأينَا الْمُصحف يمسهُ الطَّاهِر وَغير الطَّاهِر علمنَا أَنه لم يعن الْمُصحف، وَإِنَّمَا عَنى كتابا آخر عِنْده كَمَا جَاءَ عَن سعيد بن جُبَير فِي هَذِه الْآيَة هم الْمَلَائِكَة الَّذين فِي السَّمَاء، وَكَانَ عَلْقَمَة إِذا أَرَادَ أَن يتَّخذ مُصحفا أَمر نَصْرَانِيّا فينسخه لَهُ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا بَأْس أَن يحمل الْجنب الْمُصحف بعلاقته، وَغير المتوضىء عِنْده كَذَلِك، وأبى ذَلِك مَالك إلَاّ إِن كَانَ فِي خرج أَو تَابُوت فَلَا بَأْس أَن يحملهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>