للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السعَة بِحَيْثُ يمتهنونه فِي هَذَا، وَالْجَلد لَيْسَ فِيهِ مَا يُمَيّز غَيره فَيخْتَص بِهِ قَالَ: وَإِنَّمَا أَرَادَ فرْصَة من شَيْء صوف أَو قطن أَو خرقَة أَو نَحوه، يدل عَلَيْهِ الرِّوَايَة الْأُخْرَى: فرْصَة ممسكة بِضَم الْمِيم الأولى وَفتح الثَّانِيَة وَتَشْديد السِّين مَعَ فتحهَا: أَي قِطْعَة من صوف أَو نَحْوهَا مطيبة بالمسك، وروى بَعضهم: ممسكة، بِضَم الْمِيم الأولى وَسُكُون الثَّانِيَة وسين مُخَفّفَة مَفْتُوحَة، وَقيل: مكسوة أَي: من الْإِمْسَاك وَفِي بعض الرِّوَايَات: (خذي فرْصَة ممسكة فتحملي بهَا) قيل: أَرَادَ الْخلق الَّتِي أَمْسَكت كثيرا. فَإِنَّهُ أَرَادَ أَن لَا تسْتَعْمل الْجَدِيد من الْقطن وَغَيره للارتقاق بِهِ، وَلِأَن الْخلق أصلح لذَلِك، وَوَقع فِي كتاب عبد الرَّزَّاق يَعْنِي بالفرصة: الْمسك، قَالَ بَعضهم هِيَ: الذريرة، وَفِي الْأَوْسَط للطبراني: (خذي سكيكك) .

ذكر مَعَانِيه قَوْلهَا: (إِن امْرَأَة) زَاد فِي رِوَايَة وهيب: (من الْأَنْصَار) وسماها مُسلم فِي رِوَايَة الْأَحْوَص عَن إِبْرَاهِيم بن مهَاجر أَسمَاء بنت شكل، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَالْكَاف وَفِي آخِره لَام، وَلم يسم أَبَاهَا فِي رِوَايَة غنْدر عَن شُعْبَة عَن إِبْرَاهِيم. وَقَالَ الْخَطِيب: أَسمَاء بنت يزِيد، وَجزم بِهِ الْأَنْصَارِيَّة الَّتِي يُقَال لَهَا خطيبة النِّسَاء وَتَبعهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي (التَّنْقِيح) والدمياطي وَزَاد أَن وَقع فِي مُسلم تَصْحِيف، وَيحْتَمل أَن يكون شكل، لقيا لَا إسماً، وَالْمَشْهُور فِي المسانيد والمجامع فِي هَذَا الحَدِيث أَسمَاء بنت شكل، كَمَا فِي مُسلم، وَأَسْمَاء بِغَيْر نسب كَمَا فِي أبي دَاوُد، وَكَذَا فِي (مستخرج) أبي نعيم من الطَّرِيق الَّتِي أخرجه مِنْهَا الْخَطِيب، وَحكى النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) الْوَجْهَيْنِ من غير تَرْجِيح، وَتبع رِوَايَة مُسلم جماعات مِنْهُم ابْن طَاهِر وَأَبُو مُوسَى فِي كِتَابه معرفَة الصَّحَابَة، وَصوب بعض الْمُتَأَخِّرين مَا قَالَه الْخَطِيب لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَنْصَار من اسْمه، شكل، وَفِي (التَّوْضِيح) بنت يزِيد، وَلم ينْفَرد مُسلم بذلك،، فقد أخرجه ابْن أبي شيبَة فِي (مُسْنده) وَأَبُو نعيم فِي (مستخرجه) كَمَا ذكره مُسلم سَوَاء، قَوْلهَا: (من الْمَحِيض) وَفِي رِوَايَة: (من الْحيض) وَكِلَاهُمَا مصدران قَوْلهَا: (قَالَ: خذي) هُوَ بَيَان لأمرها وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ يكون بَيَانا للاغتسال وَهُوَ إِيصَال المَاء إِلَى جَمِيع الْبشرَة لَا أَخذ الفرصة؟ قلت: السُّؤَال لم يكن عَن نفس الِاغْتِسَال، لِأَن ذَلِك مَعْلُوما لكل أحد، بل إِنَّمَا كَانَ ذَلِك مُخْتَصًّا بِغسْل الْحيض فَلذَلِك أجَاب بِهِ، أَو هُوَ جملَة حَالية لَا بَيَانِيَّة انْتهى. قلت: هَذَا الْجَواب غير كَاف لِأَنَّهَا سَأَلت عَن غسلهَا من الْمَحِيض، وَلَيْسَ هَذَا إلَاّ سؤالاً عَن مَاهِيَّة الِاغْتِسَال، فَلذَلِك قَالَ: صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَوَابه إِيَّاهَا: فَأمرهَا كَيفَ تَغْتَسِل، يَعْنِي قَالَ لَهَا: اغْتَسِلِي كَذَا وَكَذَا، وَهَذَا بِمَعْنَاهُ ثمَّ قَول: (خذي فرْصَة من مسك) لَيْسَ بِبَيَان للاغتسال الْمَعْهُود، وَقَوله لِأَن ذَلِك مَعْلُوم لكل أحد. فِيهِ نظر، لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن لَا يكون مَعْلُوما لَهَا على مَا يَنْبَغِي، أَو كَانَ فِي اعتقادها أَن الْغسْل عَن الْمَحِيض خلاف الْغسْل عَن الْجَنَابَة، فَلذَلِك قَالَت عَائِشَة: سَأَلت النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، عَن غسلهَا من الْمَحِيض، وَالْأَوْجه عِنْدِي أَن الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيّ مُخْتَصر عَن أصل هَذَا الحَدِيث، وَفِيه بَيَان كَيْفيَّة الْغسْل وَغَيره على مَا رَوَاهُ مُسلم: أَن أَسمَاء سَأَلت عَن غسل الْمَحِيض. فَقَالَ: تَأْخُذ إحداكن ماءها وسدرها فَتطهر فتحسن الطّهُور، ثمَّ تصب على رَأسهَا فتدلكه دلكا شَدِيدا حَتَّى تبلغ شؤون رَأسهَا، ثمَّ تصب عَلَيْهَا المَاء، ثمَّ تَأْخُذ فرْصَة ممسكة فَتطهر بهَا، فَقَالَت أَسمَاء: وَكَيف أتطهر بهَا؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ الله تطهرين بهَا. فَقَالَت عَائِشَة، كَأَنَّهَا تحفى ذَلِك: تتبعين بهَا أثر الدَّم، وَسَأَلته غسل الْجَنَابَة فَقَالَ: تَأْخُذ مَاء، فَتطهر فتحسن الطّهُور، أَو تبلغ الطّهُور ثمَّ تصب على رَأسهَا فتدلكه حَتَّى تبلغ شؤون رَأسهَا ثمَّ تفيض عَلَيْهَا المَاء. فَقَالَت عَائِشَة: نعم النِّسَاء نسَاء الْأَنْصَار لم يكن يمنعهن الْحيَاء أَن يتفقهن فِي الدّين. قَوْلهَا: (فتطهري بهَا) قَالَ: فِي الرِّوَايَة الَّتِي بعْدهَا: (فتوضئي ثَلَاثًا) . قَوْله: (سُبْحَانَ الله) وَزَاد فِي الرِّوَايَة الْآتِيَة، (ثمَّ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استحيا فَأَعْرض بِوَجْهِهِ) وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: (فَلَمَّا رَأَيْته يستحي علمتها) وَزَاد الدَّارمِيّ: (وَهُوَ يسمع وَلَا يُنكر) ، وَقد ذكرنَا: أَن: سُبْحَانَ الله، فِي مثل هَذَا الْموضع يُرَاد بهَا التَّعَجُّب، وَمعنى التَّعَجُّب هُنَا: كَيفَ يحفى مثل هَذَا الظَّاهِر الَّذِي لَا يحْتَاج الْإِنْسَان فِي فهمه إِلَى فكر؟ قَوْله: (فجذبتها) وَفِي بعض الرِّوَايَة: (فاجتبذنها) وَفِي رِوَايَة: (فاجتذبتها) يُقَال: جذبت واجتذبت واجتبذ، وَهُوَ مقول عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَوْله: (تتبعي) أَمر من التتبع، وَهُوَ المُرَاد من تطهري. قَوْله: (أثر الدَّم) مقول: تتبعي، وَقَالَ النَّوَوِيّ: المُرَاد بِهِ عِنْد الْعلمَاء، الْفرج، وَقَالَ المحاميل: يسْتَحبّ لَهَا أَن تطيب كل مَوضِع أَصَابَهُ الدَّم من بدنهَا، قَالَ، وَلم أره لغيره، وَيُؤَيّد مَا قَالَه الْمحَامِلِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ، (تتبعي بهَا مَوَاضِع الدَّم) .

<<  <  ج: ص:  >  >>