للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سامرتُ فيما فُهْتُ روحي في الدجى ... فآنستنِي مثلَ صوتِ الحادِي

لله ما نجبُ اليعاسيبِ انتشَتْ ... من الحُداة في رُوى إنشادِي

تَعيفُ بالمفازِ وِردَ الماء من ... مساغِ نظمِي مُرتل التَّحادي

تَميلُ في مسْرَى سُراها جُفَّلاً ... تبْغِي الحُداة لا حلى المزادِ

منها:

يا بُرَحاً زادتْ بنا أنواؤُه ... زَوْد الغديرِ عن رِوَى الصَّوادِي

جرَّعتني بعد الأُصيحابِ الأسَى ... فذُقتُ منه وَصْمةَ النِّكادِ

هلاَّ رحمت مُّغرَماً صَبًّا رقَتْ ... دموعُه مَرافِي الوِسادِ

يسخرُ منه كل خِلوٍ من هوًى ... يُشفق فيه مُغرَم الوِدادِ

فالخِلوُ ممنوعُ الرِّضا وضِدُّه ... عن حاله مُنَّعُ السَّدادِ

أمَّمْتُ ناساً لقَباً وما هم ... بأهلِ وُدٍّ يقصدون بادِي

فعدتُ عودَ نادِمٍ وهكذا ... من أمَّ غيرَ مثلِه في نادِي

فلا رجعْتَ يا أخا الوُدِّ كما ... رجعتُ في عوْدِي وفي تَردادِي

سئمْتُ مني فالورى أحقُّ من ... يُسأمُ منه أبدَ الآبادِ

ومن ذلك قوله، من قصيدة، مستهلُّها:

إذا ما دعانِي للهوَى المحكَمِ العُذري ... عِذارُ الذي أهوَى فماذا ترى عُذرِي

وهل غيرُ ربِّ الآسِ صُدْغاً ونُكهةً ... لداءِ كُلومٍ في الحشاءِ إلى الحشْرِ

عدِمتُ شفا وُردِ المراشِفِ حُلوِهِ ... إذا لم أكنْ أقوَى الخلائقِ للصبرِ

وقوله من أخرى:

طيفَ الكرى حُيِّيتَ من زائرِ ... منحْتَ بُرْءَ الداءِ من هاجِري

ما كان أحلَى سِنَةَ الغمْضِ في ... ليلٍ سَطا في ظُلمِهِ كافرِ

ليلٍ كأنَّ الغمضَ فيه سرَى ... ضَلَّ الهُدى فإنْقادَ كالحائِرِ

وقوله:

إن سُقم الجفون اسْقم جَفنِي ... وولاني من السَّقامِ فُتورا

ربِّ فاشْفِ السَّقامَ منهم بكسْرٍ ... فَهَواهُمْ أضَلَّ خْلقاً كثيرا

وقوله:

دَعْ فؤادِي عليك يذهب حَسْرَهْ ... أوْ فيَكفيه منك في العمرِ نظرهْ

ما صَنِيعي وفيك عادَ مآلِي ... عودةً كالسَّرابِ في أرضِ قَفْرهْ

[فصل]

عقدتُه لجماعة من العلماء الأجلاَّء، يهتدِي بمصابيح علومهم الأضِلاَّء.

ممن فضله واضحٌ مبيَّن، والتبرُّك بذكره فرضٌ متعيَّن.

فهم وإن كانت آثارهم العليَّة غنيةً عن الوصف والإطالة، فلقد أتوا بأشياء من الشعر هي في الجملة خيرٌ من البطالة. فمنهم: نجمُ الدِّين الغزِّي النجم الأرضي، وابن البدر المضيء، وجدُّه الرَّضيُّ المرْضِيّ.

ثلاثة في نسق، طلعوا فأناروا الغسق.

وقدمهم في النَّباهة، أعلى من قدمهم في الوجاهة.

فمن يساميهم، وإلى الكواكب مراميهم.

وهم في القديم والحديث، أئمة التفسير والحديث.

لم يبرحِ المجدُ يسمُو ذاهباً بهِمُ ... حتَّى أزاح الثُّريا وهو ما قنَعَا

والنَّجم انعقدت العَشرةُ عليه، وسعتْ وفودُ العناية مسرعةً إليه.

فَ " والنَّجمِ إذا هوى، ما ضلَّ صاحبكم وما غوَى " لهو الذي به يقتدِي المقتدِي، وبسمته يهتدي المهتدي.

هو النجم يَهدِي جميعَ الورى ... فمن دونه البدرُ والشمسَ دونْ

وقد صار في الفضلِ حيثُ انْتهوا ... وحيث انْتحوا فبِهِ يقْتدون

إذا ظُلمَةُ الغَيّ ألْوتْ بهم ... أضاء فبالنجمِ هم يهْتدونْ

وله دعاءٌ مستجاب؛ وخواطر ليس بينها وبين الله حجاب.

فلو حذِّر به المنهمك في غوايته لأمسك، أو خوطِب به المتهالك في عِصيانه أناب وتنسَّك.

شغل بالإفادة أيامه ولياليه، ونظم على جِيد الأيام فرائده ولآليه.

وتأليفاته كاثرت رمل النَّقا، وأربت على الجواهر في الرَّونق والنَّقا.

مع مالَه من كرمٍ يُخجل الأجواد، وسخاءٍ أضحت عوارفه كالأطواق في الأجياد.

<<  <  ج: ص:  >  >>