للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال لي والبكاءُ يغلُبه ... ياليت يومَ الفِراق لا كانا

؟ علي بن إبراهيم

هو الآن في الحضرة الخضرة، متعين في نظرائه بالمعالي النضرة.

فيكاد يشير إليه، من يغمض عينيه.

ومن أراد أن يكون السعد من خدمه، فليضع قدمه مكان قدمه.

فالإقبال كأنما خلق لأجله، واليمن في مواطئه بخيله ورجله.

وهناك جدٌ لو كان بظبة صارمٍ ما نبا غراره، وبشرٌ لو سال بصفحة البدر ما خيف سراره.

وأنا إذا جئت أصفه، ولا أقدر أني أنصفه.

قلت: أعلى الله مكانه، وشيد في أفق النباهة أركانه.

فما زال الأمن يواصل هدوه، والجذل يصاحب رواحه وغدوه.

وله السلامة التي يهنأ بها ويحيى، والدنيا التي لم تزل غضة العهد طلقة المحيا.

وله عندي وراء ذلك ثناءٌ بريءٌ من الكلف، وامتداحً لو ناله البدر لانجلى عنه الكلف.

وهو في الفضل كأبيه وجده، وإذا قيس بهما فقد انتهى لأقصى حده.

وأما أدبه فقد حل من البراعة مكاناً عالياً، وهمى ودقه على ربى الإجادة وسماً وولياً.

فإذا جال يراعه، ملأ القرطاس بلاغةً وبراعة.

وإذا وشى الصحائف من حبائر بديهته وإملائه، فكأنما أفاض عليها من أنواره ولألائه.

وقد أثبت له ما يبهج الأدب ويزينه، وإذا وزن به الشعر رجحت موازينه.

فمنه قوله، فيما كتبه إلى الأستاذ زين العابدين الصديقي، يستدعيه لدمشق:

قد أُلْبِس الروضُ أنواعاً من الحِبَرِ ... وتُوِّج الغصنُ إكْليلاً من الزَّهَرِ

ومدَّت الأرضُ وسطَ الروضِ حاشيةً ... من الزُّمُرُّدِ في مُسْتَنْزَهٍ نَضِرِ

وقام كلُّ خطيبٍ في الرياضِ شَدَا ... بلحْنِ مَعْبَد وقْعَ النَّايِ والوترِ

وفاح نَشْرُ عَبيرٍ في دمشقَ غدا ... يغني بطِيبِ شَذا من عَنْبَرٍ عَطِرِ

كأن عطرَ غَوانٍ قد ضَمَخْنَ به ... أتتْ به من نُحورٍ نَسْمةُ السَّحَرِ

وراقبتْ فُرْصةَ الإغْفاءِ فانْغَلَستْ ... كالسحرِ بين مقر الجَفْنِ والشَّعَرِ

فاستبْضعتْ كلَّ لُطْفٍ مَعْ لَطافتِها ... واستصْبحتْ كلَّ عَرْفٍ طَيِّب الأثرِ

فقُمْتُ أنْشَق رَيَّاها وقلتُ لها ... جُودِي عليَّ فإني لاتَ مُصْطَبَرِي

وخبِّريني أهذا العَرْفُ منْشأُه ... عن طِيبِ مَخْبرِ أم عن طَيِّب الخبرِ

قالت أعندك من هذا النَّباءِ أما ... كفاك رَوْنَقُ هذا العام من خَبَر

فالشامُ شامِيَّةٌ والأرضُ نامِيةٌ ... والسحبُ هامِيةٌ بالطَّلِّ والمطرِ

من أجلِ أنَّ إمام الوقتِ أعْنِ به ... زَيْنَ الأنامِ وكهْفَ البدوِ والحضَرِ

ذاك الهُمامُ الذي بالمجدِ قد بهرَتْ ... آياتُ مَحْتَدِه السامي على الزُّهُرِ

وابنُ الإمام الذي ما مثلُه أحدٌ ... إذْ كان في الغارِ ثاني سيِّد البشرِ

يرومُ جِلِّقَ قَصْداً أن يشرِّفَها ... بالبشْرِ منه فتُضْحِي نُزهةَ النَّظرِ

فقلتُ أهلاً بما أدَّيْتِ مِن نَبَأٍ ... أوْدعْتِ في السمع منه أنْضرَ الدُّرَرِ

وصِرتُ ألثَمُ فَاها فرحةً وهوىً ... ومَنْطِقاً وِرْدُهُ أحْلَى من الصَّدَرِ

فأنْجِزِ الوعدَ لُطْفاً منك سيِّدَنا ... فالشامُ إن جُزْتَ صِينتْ عن يَدِ الغَيرِ

فأعْيُن الزهرِ وَسْطَ الروضِ شاخصةٌ ... لكي اراك فتحْظَى منك بالبَصرِ

ومن بدائعه قوله:

عزَّ هذا العزيزُ في سُلْطانِهْ ... ومضى والمِطالُ أكبرُ شانِهْ

وأرانا من سحْرِ عينيْه هارو ... تَ وماروتَ من شَبا أجْفانِهْ

فاسْتمال القلوبَ نحو مُحَيّاً ... كان سَلْبُ القلوبِ من بُرهانِهْ

وحَبانا من جُلِّ ما نتمنَّى ... من شَذَا وَرْدِه ومن رَيِحانِهْ

وأرانا بَرْقَ الثَّنايا اخْتلاساً ... خَوْفَ واشٍ وحاسدٍ يَريانِهْ

ورأيتُ الفِدامَ في فِيه لمَّا ... لاح فِرْقُ اللَّميَ وضوءُ جُمانِهْ

<<  <  ج: ص:  >  >>