للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الثلاثيات نظم فيها كثير من المتقدمين والمتأخرين.

فمنهم ابن صابر القيسي، قال:

لولا ثلاثٌ هُنَّ واللهِ منْ ... أكبرِ آمالي من الدنيَا

حجٌّ لبيْتِ اللهِ أرجُو به ... أن يقبلَ النِّيَّةَ والسَّعْيَا

والعلمُ تحصيلاً ونشْراً إذا ... روَيْتُ أوسعْتُ الورى رأْيَا

وأهلُ وُدٍّ أسألُ اللهَ أن ... يُمتْع بالبُقْيا إلى اللُّقْيَا

ما كنتُ أخشْىَ الموتَ أنَّى أتى ... بل لم أكنْ ألْتذُّ بالمَحْيا

ومثله لأبي حيان:

أما إنه لولا ثلاثٌ أُحبُّها ... تمنَّيْتُ أنى لا أُعَدُّ من الأحْيَا

فمنها رجائي أو أفوزَ بتوْبةٍ ... تُكفِّر لي ذَنْبا وتُنْجِح لي سَعْيَا

ومنهُنَّ صَوْنُ النفسِ عن كل جاهلٍ ... لئيمٍ فلا أمْشِي إلى بابه مَشْيَا

ومنهنَّ أخْذِي بالحديث إذا الورَى ... نَسَوْا سُنَّةَ المختارِ واتَّبعوا الرأْيَا

أأتْرك نصًّا للرسولِ وأقْتدي ... بشخصٍ لقد بُدِّلتُ بالرَّشَدِ الغَيَّا

وكتب مقرظا على نظم:

تأمَّلتُ ذا النظمِ البديعِ وما حَوَتْ ... معانِيه من حسنِ الصياغةِ والسَّبْكِ

فشاهدتُ رَوْضاً بالفضائلِ مُزهِراً ... وعاينْتُ دُرّاً قد تنظَّم في سِلْكِ

[حفيده محمد بن علي]

وهو من بحره خليج، ولروضه عرف وأريج.

بأنواره تحاسن الأقمار، وبأمداحه تعطر الأندية والأسمار.

فهو شربٌ سائغٌ بلا كدر، وسمرٌ ممتع بلا سهر.

وصحةٌ في نعمةٍ عقيب مرض، وفرحة رامٍ أصيب بسهمه غرض.

وله شعر كالزلال النمير، إذا صافح الأسماع تبسم له القلب والضمير.

فمنه قوله:

خِلْتُ العيونَ الرَّامياتِ بأسهمٍ ... يَجْرَحْنَ قلباً بالبِعادِ مُعذَّبَا

فاُعْجَبْ لِلَحْظٍ قاتلٍ عُشَّاقَه ... في حالتَيْه إذا مضَى وإذا نَبَا

وهذا معنى جيد جداً، وهو ينظر من طرفٍ إلى قول ابن الرومي:

نظَرتْ فأقْصدتِ الفؤادَ بسهمِها ... ثم انْثنَتْ عنه فكاد يهِيمُ

وَبْلايَ إن نَظرتْ وإن هي أعْرضتْ ... وَقْعُ السهاِم ونَزْعهُنَّ أليمُ

وقد لطف الخفاجي، وأجاد كل الإجادة في قوله:

سِهامُ جُفونِه أعْرضْنَ عنِّي ... فأسْرعَ فَتْكُها ونَما جَواهَا

فيالَكِ أسْهُما تُصْمِى الرَّمايَا ... إذا قصَدتْ إلى شيءٍ سِواهَا

[حسين بن محمد]

فرع طاب منه جنىً ومهتصر، فلو طلبت الحياة لوجدته من صباحته يعتصر.

خلقه الله نورا مصوراً، وأطلع غصن كماله غضاً منوراً.

بوجه يتبعه التهليل والتكبير عند شروقه، وحسن أداء يشر به السمع فتدب نشوة الحميا في عروقه.

في كل نادٍ منه روضُ نمَاءِ ... وبكل خدٍّ منه جدولُ ماءِ

ووجه المشرق الجمال، يصف ما فيه من أنواع الكمال.

وقد عشق الأدب وزهرة حسنه في أول ما انفتقت عنها الكمامة، فما ناهز العشرين إلا وتسامت لوائح فكره من أن تساجلها الغمامة.

فهنالك ما تشاء من نوادر مرتصفة، وآثار بأحسن القول متصفة إن خط فنقش العيد، على معاصم الحسان الغيد.

وإن لفظ فجوهر العقود، وعصير الخمر من العنقود.

إلا أنه لم تلمحه النقل، حتى اختار الملأ الأعلى فانتقل.

فقامت النواعي يند بن بدرا في أول كماله خسف، ويبكين غصناً في ابتداء نضرته قصف.

فحيَّتْ تُرابا ضَمَّه سُحْبُ رحمةٍ ... ليخْضلَّ روضٌ جسُمه فيه موضعُ

فمما اخترته من شعره قوله:

أفْديه ظبياً بالشراب مُولَّعاً ... يترشَّف الأقْداحَ وهْو الأكْيسُ

فكأنه البدرُ المنير إذا بدَا ... من نُور طْلعته أضاء المجلسُ

وقوله مضمنا:

بالله سَلْ طَرْفَيِ السهرانَ هل هجَعا ... وما به الوجدُ والتْبريح قد صنَعَا

قد حدَّث الناسُ عن مُضنَى الهوى دَنِفاً ... وما أصابُوا ولكن شنَّعوا شَنَعَا

يا ابنَ الكراِم ألا تدنْو فتبْصرَ ما ... قد حدَّثوك فما راءٍ كمن سمِعاَ

<<  <  ج: ص:  >  >>