للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا البيت مما أكثر تضمينه قديما وحديثا، ولا أدري لمن هو، وفيه عكس التشبيه: إذ ليس السامع أرقى حالا من الرائي، وبه يتم غرض الشاعر الذي استدل لأجله.

ومن شعره قوله:

زار وَهْنا مُرنَّحَ الأعْطافِ ... بعد أن كان مائلاً للْخلافِ

كم على صُدْغِه ورَاٍح لَماهُ ... رُحْتُ سكرانَ سالِفٍ وسُلافِ

صَدَّ ظُلما ولم يكن ليَ ذنْبٌ ... غيرُ دمعٍ أذاع ما هو خافِ

أيها العاذِل الجَهولُ تأمَّلْ ... في مُحيَّاه ثم قُلْ بخِلافِ

ومما رأيته منسوبا إليه، ولا أتحققه:

أُنادي إذا نام الهَجِيع تأسُّفاً ... وقلبيَ من بين الضلوعِ كَلِيمُ

هنيئاً لطَرْفٍ فيك لا يعرِف الكرَى ... وتَبّاً لقلبٍ ليس فيك يَهِيمُ

ومن رباعياته قوله:

إن جُزْتَ بحيِّ مُنْيتي حيِّيهِ ... واُخْبِرْهُ من المحبِّ ما يُرْضيهِ

إن زار فقد حَيِيتُ في زَوْرِته ... أو صَدَّ فإن مُهْجتِي تَفْدِيهِ

بيت المحبي بيت أبي وجدي، ومنبت عرق محتدى ومجدي.

ارتضعت دره واغتذيت، وإلى فضله انتسبت واعتزيت.

والمجد ما افتخرت به العرب من القدم.

وإنِّي من العرب الأقْدمين ... وقد مات من قبْل خَلْقِي الكَرَمْ

وفي كرَم العِرْق بالمَنْبِت الطيِّب، عَوْن على أثْمار تروّتْ بالعارض الصيب.

فأنا إذا افتخرت هزتني أريحية الطرب، ونافست بآباء تملكني عند ذكرهم حمية العرب.

أولئك آبائي فجْئني بمثلِهمْ ... إذا جمعتْنا يا جريرُ المَجامِعُ

فأول من سكن منهم الشام، وشام من بارق إقبالها ما شام:

[القاضي محب الدين]

فضاهى بغزارة علومه أنهارها، وأخجل بمنثوره ومنظومه أزهارها.

بماذا أصفه وأحليه، وأي منقبة من الجلالة أوليه وأطراف القلم بنعوته لا تحيط، حتى ينزح بمناقير العصافير البحر المحيط.

إمام أئمة الفنون، المستخرج من بحار البلاغة درها المكنون.

فكان بالشام علمها الذي يهتدي به المهتدى، ومقتفاها الذي يقتدي به المقتدى.

فتدانت به القلوب المتباعدة، وتلاقت الآمال المتواعدة.

فما ولدت أرحام الأرض من حفال الأزهار والنبات، التي أرضعتها الخضراء بدر أخلاف الأمطار وهي في حجر الصبا وحضانة النسمات.

ألطف من شمائله التي عطرت أردان الصبا، وأعادت للقلب نشوة الصبا فصبا.

ولم يزل يحلى الليالي العواطل، وتدين لسقيه السحب الهواطل.

ويبدع في آثاره صدورا وأعجازا، ويطلع رسائله مملوءةً بلاغة وإعجازا.

حتى رداه الردى، وعداه الحمام من ذلك المدى.

فأنار الله مثواه، وجعل الجنة مأواه.

فخلفه ثلاثة فتيان ألف المجد بينهم، فإن قلت أين الحسن فانظر أيهم.

فالأوسط من مرض الشعر في عافية، لكنه قعد على طريق القافية.

وأما الكبير، وهو:

[عبد اللطيف]

فعظيم الأرومة، ورونق المزية المرومة.

أنبت خطيها وشيجه، وقوم أغصانها تخريجه.

يفترع الهضاب ببعد همة، ويصيب الأغراض بمسدد سهمه.

أصيل الرأي والحجزم، مليُّ التدبير والعزم.

ضاعف الله لهة نعما يتقبلها، ما زال يوفى على ماضيها مستقبلها.

بهمة ترى الدنيا هبات مقسومة، ونقطة من نقط الدائرة موهومة.

وفكرٍ يغرف منبحر، وعنده يصغر عمرو بن بحر.

فوصفه واسع المجال، ومثله قليلٌ في الرجال.

أسس وبنى، وعطف أعنة المدح وثنى.

وله أشعار كما اتسقت اللآلي، وسفرت وجوه حسان عن ضوئها المتلالي.

أتيت منهال بما تكتب بدائعه على الأحداق، وتتنافس كلمه الأطواق في الأعناق.

فمنه قوله من قصيدة مستهلها:

هي الدار حيَّ عهدَها مدمعِي الجارِي ... عفَتْ غير سُحْمٍ ماثلاتٍ وأحْجارِ

رسومٌ مَحاها كلُّ سافٍ وهاطلٍ ... فهُنَّ كجسمي أو غوامضِ أسرارِي

أقمْنا حَيارَي سائرين فلم نجدْ ... مُجِيباً سوى دمعٍ مع البَيْنِ مِدْرارِ

ولا عجبٌ لو أصبح الدمعُ حائراً ... كقلبِك في تلك المعاهد يا جارِي

معاهدُ لا أدري أمِن طِيبِ تُربْها ... نسيمُ الصبَّاحيَّتْ أم العنْبَرُ الدَّارِي

<<  <  ج: ص:  >  >>