للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا تغرَّب عن أهْلِه ... وتلك أقامتْ بأوْطانِهَا

وله:

إن هذا الموتَ يكرَهُه ... كلُّ من يمشِي على الغَبْرَا

وبعْين العقل لو نظروا ... لرأَوْه الراحةَ الكبرَى

اقتفى في هذا أثر ابن الرومي، في مدح الموت، حيث قال:

قد قلتُ إذ مدحوا الحياةَ وأسْرفوا ... في الموت ألفُ فضيلةٍ لا تعرَفُ

منها أمانُ لِقائِه بلقائِه ... وفِراقُ كلِّ مُعاندٍ لا ينْصِفُ

ومن رباعياته، ما كتبه لبعض أحبابه، وهو في المشهد الأقدس الرضوي:

يا رِيحُ إذا أتَيْت أرضَ الجمْعِ ... أعنِي طُوساً فقُل لأهلِ الرَّبْع

ما حَلَّ برَوْضةٍ بهائِيُّكمُ ... إلَّا وسقَى رياضَها بالدَّمْعِ

وكتب إلى بعض أحبابه بالنجف الأشرف:

يا رِيحُ إذا أتيتَ أرضَ النَّجَفِ ... فالْثمِ عَنِّي تُرابَها ثم قِفِ

واذْكُر خبَرِي لدى عُريب نزلوا ... وادِيَه وقُصَّ قصَّتي وانْصرفِ

وله:

يا عاذلُ كم تطيلُ في إتْعابي ... دَعْ لَوْمَك وانصرفْ كفانِي ما بِي

لا لَوْمَ إذا هِمْتُ من الشوقِ على ... قلبٍ ما ذاق فُرقةَ الأحْبابِ

وله:

يا بدرَ دُجىً بوَصْلِه أحْيانِي ... إذْ زار وكمْ بهجْره أفْنانِي

باللهِ عليك عِّجَلنْ سفْكَ دمى ... لا طاقة لي بليْلِة الهجرانِ

[حسن بن زين الدين الشهيد]

ركن محدٍ ركين، مكانه في ذروة الرياسة مكين.

رسا في في بحبوحة البسالة ورسسخ، ونسخ خطة الجهل بما خط ونسخ.

وهو من قومٍ تنوس ذوائبهم على هام الجبال، وتستمد الشموس من سناهم فلذا ترخى عند المغيب الحبال.

تقطع إليهم الوعور فتلفى بشوقهم صعيدا، وتستبعد لغيرهم السماوة ولا يرى السماء بقصدهم بعيدا.

وأبوه زين الدين ممن كان له صيتٌ يفلق الصخر، وتقدم فيما بينهم ينفلق عنه فجر الفخر.

إلا أن الأيام غالته بطوارقها، ونازلته برواعدها وبوارقها.

على جهد في قتله جهيد، حتى ألقى السمع وهو شهيد.

فخلفه ابنه حسن، ومن حديث فضله صحيحٌ حسن.

فقام مقام الوبل في البلد المحل، وكان أندى من الصبا وأشهى من جنى النحل.

يبتدر ويروى، وينقع بزلال أدبه ويروى.

ويمتع بأحاسن الأخبار، ويقطع منها جانب الاعتبار.

مع فكرةٍ ماؤه يسيح، وطبعٍ بستانه فسيح.

وله مؤلفات حسن فيها كل الإحسان، أجلها منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان.

وأما شعره فلبنان منبت زهرة الفواح، ونسيمه الطلق راوي حديث نفحته للأرواح. وقد أثبت منها ما يردد محاسنه الدهر ويرويها، وينشر فضائله على كواهل الأدب ويطويها.

فمنه قوله:

فؤادِي ظاعنٌ إثْرَ النِّياقِ ... وجسمي قاطنٌ أرضَ العراقِ

ومن عجَبِ الزمانِ حياةُ شخصٍ ... ترحَّل بعضُه والبعض باقِ

وحلَّ السُّقْمُ في بدني وأمْسَى ... له ليلُ النَّوَى ليلَ المَحاقِ

وصَبْرِي راحلٌ عمَّا قليلٍ ... لشدة لَوْعتي ولَظَى اشْتياقِي

وفَرْطُ الوَجْدِ أصبح بي خليقاً ... ولمَّا يْنوِ في الدنيا فِراقِي

وتعبثُ نارُه في الرُّوح حسناً ... فيوشك أن تُبِّلغَها التراقِي

وأظْمأني النَّوى واراق دمعي ... ولا أُرْوَى ولا دمعي بِراقِ

وقيَّدني على حالٍ شديدٍ ... فما حِرْزُ الرُّقَي منه بِوَاقِ

أبَى اللهُ المهيمنُ أن تراني ... عيونُ الخلق محلولَ الوَثاقِ

أبِيتُ مَدى الزمانِ لنارِ وَجْدِي ... على جمرٍ يزيد به احْتراقِي

وما عيشُ امْرِئٍ في بحرِ غَمٍّ ... يُضاهِي كربُه كَرْبَ السِّياقِ

يوَدُّ من الزمان صفاءَ يومٍ ... يلُوذُ بظله مّما يُلاقِي

سقتْنِي نائباتُ الدهرِ كأساً ... مَرِيراً من أباريقِ الفِراقِ

ولم يخطُرْ ببالِي قبلَ هذا ... لفَرْطِ الجهل أن الدهرَ ساقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>