للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُغْرًى بذكْر العامريَّةِ مغرمٌ ... ظامٍ إلى عذبِ العُذَيْبِ وبانِهِ

يُخْفى جَوًى لوحلَّ يَذْبُلَ بعضُه ... دُكَّت هِضابُ الشمِّ من أركانِهِ

ويرُوم إغْضاء الجفونِ على القذَى ... فَرَقاً فيُعرب شأنُه عن شأنِهِ

يا لائمِي في حبِّ أهْيفَ لو بدا ... للبدرِ لم يَعْدُدْه من أقْرانِهِ

مُتمنِّع يرْنُو بناظرِ جُؤْذُرٍ ... وَيْلاىَ من وَسْنانِه وسِنانِهِ

أأُذاد عن مِضْمارِ حَلْبة حبِّه ... وأنا المُجلِّى وَيْك خيلَ رِهانِهِ

أتلومُ من أودَى بمُهْجته الهوى ... لا كان إن يَكُ هَمَّ في سُلْوانِهِ

حسْبي بما ألْقاه من ألمِ الجوى ... ما قد ترى والعمرُ في رَيْعانِهِ

لو أن بالفَلك المُحيط ذُبالةً ... من حُرْقتي ألْهتْه عن دَوَارنِهِ

أو حَلَّ وَجْدي بالكواكب لا نْبَرَى ... بَهْرامُها يشكو إلى كِيوانِهِ

أو غَال رَضْوَى بعضُ ما قد غالنِي ... لرأيَته كالعِهْنِ قبل أوانِهِ

أو كان يُسعِدني على قَدْرِ الهوى ... دمعي لَعَمَّ الأرضَ من طُوفانِهِ

ولقد سلكْتُ الحبَّ لا غِرّاً به ... وعرفتُ كُنْه خَفيِّه وعَيانِهِ

وعلمتُ إذ ذُقْت الغرامَ بأنني ... حاسٍ بكأْس جَميلِه وأبانِهِ

[عبد اللطيف البهائي البعلي]

فاضلٌ ملء أبراده، جم الفوائد في تحريره وإيراده.

أدبه غض، ومذهبه مبيض.

ولطف طبعه معتدل بين الإفراط والتفريط، وله نثر ونظم حَلَّيا الأجياد والآذان بالتنظيم والتقريط.

هو وإن كان بعليَّ الطينة، فهو دمشقيُّ المدينة.

وردها وعنفوانه زاه وشرخه، وفاقها وقد استمجد في البراعة عفاره ومرخه.

وبها كان تليين خشونته، وتسهيل صعوبته وحزونته.

إلا أنه نازل هماً ممضاً، وتسهيل أسفا للمضاجع مقضاً.

وكان مشارا إليه بالنباهة، مرموقاً أن يتنبَّه حظه بعض انتباهة.

ثم دخل الروم فأسرع البخت إلى إمداده، وتمنَّت سود الحدق لو كانت عوض مداده.

فبقى في ذلك الأفق وهو ملتاح، وكل قلب إلى تودده مرتاح.

ثم ترامى في وسع الفضا، فأصبح فيه كرةً لصولجان القضا.

وما زال حتى نال من حظه أتمه، واستوفى أجله المحتوم ثمة.

فطواه الدهر طي السجل، ومحا آثاره التي تسمو وتجل.

ولقد أوردت له من شعره ما يقضي بجودته المتخير، ويبهر حسنه الفكر فيغدو عليه كالواقف المتحير.

فمن ذلك قوله من فتحية للسلطان محمد، لما أرسل وزيره الفاضل ففتح إيوار، وزند الدولة إذا ذاك وار، وشخص تلاشيها متوار. ونافذ أمرها لمعصم الامتثال سوار.

فحلَّ في ناحيتها بجيشٍ ضاق بهم فضاؤها، وتضعضعت من رحبتهم أعضاؤها.

ودارت بينه وبين الكفار للحرب كؤوس، ترامت منهم بسببها نحو الهلك أنفسٌ ورءوس.

فحامت المنايا عليهم، وغدت ألسنة البيض تتلمَّظ عليهم.

فكأنهم هشيمٌ حصدته ظبا السيوف، وقضت ديون أنفسهم غرماء الحتوف.

ثم افتتح القلعة، وسهل تلك الصعوبة والمنعة.

وتواردت البشائر بأن الله وهب الظفر، وأحاق سوء العذاب بمن كفر.

فعمل البهائي قصيدته هذه وسيرها، وهي قصيدة معمورة ومطلعها:

بالفتح زاد الدِّينُ عزّاً واعْتِلاَ ... واللهُ أعْظَمَ مِنَّةً وتفضُّلاَ

بالنَّصر أنْجز وعدَه سبحانه ... أعزَّ جندَ المسلمين أُولى الوَلاَ

هبَّوا كما هبَّ النسيمُ إذا سرى ... يغْتصُّ عُرْضُ الأرض منهم والفَلاَ

في جَحْفلٍ ستروا البسيطةَ كثرةً ... لم تُلْفِ مثلَهم النواظرُ جَحْفلاَ

أرْبَوْا على التَّعداد حصراً واعتلَوْا ... من حيث لا أدرِي أواخرَهم ولاَ

فكأنَّ وجهَ الأرض حَلْقةُ خاتمٍ ... بهمُ وماءَ البحر قَطْرٌ أُسِبلاَ

ثبتُوا ثَباتَ الرَّاسياتِ تصبُّراً ... من يَلْتقيهمْ يَلْقَ منهم أجْبُلاَ

شاكي السِّلاحِ بكلِّ أبيضَ مِخْذَمٍ ... ما شِيَم إلا قد أصاب المقْتلاَ

<<  <  ج: ص:  >  >>