للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالت لنا قهوةُ العنقودِ حين رأتْ ... لقهوة البُنِّ قدراً في الأنام عَلِي

لئِن علانيَ مَن دوني فلا عجبٌ ... لي أُسْوةٌ بانْحطاطِ الشمسِ عن زُحَلِ

وقد سبقه ماماي الرومي، إلى هذا التضمين في قوله:

قد قالت القهوةُ الحمراءُ وافتخرتْ ... كم قد ملكتُ ملوكَ الأعصُرِ الأٌوَلِ

وقهوة القِدْرِ إن قَدْرَاً عليَّ علَتْ ... لي أُسْوةٌ بانْحطاطِ الشمسِ عن زُحَلِ

[عبد الجليل بن محمد الطرابلسي]

لقيته بمكة مجاور عزلةٍ وسكون، ومعاهد تبتلٍ إلى الله وركون.

وفيه سجايا لطاف، وانجذاب نحو القلوب وانعطاف.

وبيني وبينه مصافاة، أكدتها بالقاهرة مراعاة وموافاة.

وقد أنشدني أبياتاً من نتائج فكره، لم أر لاستحساني لها بداً من ذكره.

وهي:

متى خَفَقانُ قلبٍ يسْتكِنُّ ... وقلبُ حبِيبيَ القاسِي يحِنُّ

ويُنعم باللّقا كالبدرِ ليلاً ... ويبْسَم عن رِضاً لي منه سِنُّ

أقول له ألا يا أيُّها الْ ... غزالُ الأغْيَدُ الرَّشأُ الأغَنُّ

لقد أبلَيْتَ بالإعراضِ صَبّاً ... إذا لم تُولِه وُدّاً يُجَنُّ

إذا عرف الحبيبُ له وِدادِي ... فلذلك له إحْسانٌ ومَنُّ

[رجب بن حجازي المعروف بالحريري الحمصي]

هذا رجب، الذي فيه العجب، شاعر ذيق، إلا أن خلقه ضيق.

وعلى قدر ما توسع سعيا، حرم مبرةً ورعيا.

لبذاءة في لسانه، ووحشة ذهبت برونق إنسانه.

يتلذذ بالعيش الضنك، تلذذ الأجرب بالحك.

ولا يرى إلا على جناح طائر، فليس يقر له قرار إلا وله عزيمة سائر.

كأنه الخبر الشرود، أو الوحش المطرود.

وهو باقعة محاجاة، وبائقة مهاجاة.

يتلفت إلى الهجا، تلفت القلوب إلى الرجا.

وله في المجون فنون، عد فيها من أهل الأهواء والفتون.

وأما غيرها من الأشعار والأزجال، فهو فيها كثير التردي قليل المجال.

وقد أثبت له مالاً أراه مخلاً، بل تبوأ للإحسان منزلاً ومحلاً.

فمنه قوله، من قصيدة طويلة مستهلها:

أبَى القلبُ إلا غراماً ووجداً ... وطَرْفيَ إلا بُكاءً وسُهْدَا

فلم يبرحِ الصبَّ تبْريحُه ... ولا الدمعُ راق ولم يُطْفِ وَقْدَا

فلولا النَّوَى ما ألِفْتُ البكا ... ولا كان بالسُّقم جسمي تردَّى

ولا أُبْتُ أرعَى نجومَ الدجى ... ولا كان عني مَنامِي تَعدَّى

فأوَّاه صبري مضَى لم يعدْ ... وأما اشْتياقي فلم يُحْصَ عَدَّا

ومالي مُعِين سوى أدمعي ... وقلبٍ لصَدِّ الهوى ما تصدَّى

فلو بالكواكب ما بي هوَتْ ... وإلا على يَذْبُلٍ كان هَدَّا

تُذكِّرني ساجعاتُ الرياض ... حبيباً ورَبِعا رَبِيعاً ووُدَّا

وما كنتُ أنْسى ولكن تزيد ... وُلوعِيَ قُرْباً وصبريَ بُعْدَا

رعى الله رَبْعاً نعِمْنا به ... وعهداً ألِفْناه حيَّاه عهدَا

فما راقني غيرُه منزِلاً ... ولا طاب عيشا ولا راق وِرْدَا

فلله أيامُ ظَبْيِ اللِّوَى ... فما كان أحْلَى جَناها وأجْدَى

فيا مُنشدِي دِرْ مُدامَ الهوى ... ودَعْ ذكرَ هندٍ ودع ذكر سُعدَى

ومالي وما لِلْغواني فكم ... تناسيتُ منهنَّ صَدْراً ونَهْداً

وكرِّر حديثَك عن أغْيَدٍ ... هو الظبيُ والغصنُ لَحْظاً وقَدَّا

وكالبدر في سنه والسنا ... له ناظرٌ مرهف جاز حدَّا

فما رقَّ لي كالصَّفا قلبُه ... وقد لان عِطْفاً رقيقاً وخَدَّا

إذا قام يُقعده رِدْفُه ... فلولاه ما قلتُ حُيِّيتُ نَجْدَا

غزالٌ رَبَى في رُبَا جِلَّقٍ ... إذا مارناَ لَحْظُه صاد أُْسَدا

سقى اللهُ وادي دمشق الحَيَا ... ولا زال دَهْراً أَقاحاً ووَرْدَا

ترى نهرَاً ساكناً صارماً ... وإن هبَّ ريحٌ فقد هبَّ سردَا

<<  <  ج: ص:  >  >>