للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يملُأ الدلوَ لعَقْدِ الكَرَبِ

هذا من قول الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، حيث يقول:

مَن يُساجِلْني يساجِلْ ماجداً ... يملأُ الدلوَ إلى عَقْدِ الكَرَبْ

والكرب: الحبل الذي يشدُّ في وسط العراقيّ ثم يثلَّث، ليكون هو الذي يملأ الماء فلا يعفن الحبل الكبير، وهو مثل يضرب لمن يبالغ فيما يلي من الأمر.

قم بنا تنشَقْ رُوَيحاتِ السَّحَرْ ... قبل أن تَصْدا بأنْفاس البشَرْ

هذه الوُرْق تغنَّت في الشَّجَرْ ... وتناجَتْ في رءُوسِ القُضُبِ

أن مَن ضيَّع ذا الوقتَ غَبِي

قوله: " قبل أن تصدا " إلخ. من قول ابن الرُّوميّ:

وغيرُ عجيب طِيبُ أنفاسِ روضةٍ ... مُنوَّرَةٍ باتتْ تُراحُ وتُمْطَرُ

كذلك أنفاسُ الرياضِ بسُحْرةٍ ... تطِيبُ وأنفاسُ الأنام تغَّيرُ

دَأْبُنَا شَمُّ ورودٍ وخدودْ ... وعناقٌ من غصونٍ أو قُدودْ

والهوى لَفُّ خصُورٍ بزُنودْ ... لذَّةٌ ما شابَها من أشَبِ

خلُصتْ من موُبِقات الرِّيَب

نفْخُ روحِ الرَّاح في جسم الزُّجاجْ ... إنها تُثْمِر عن فَيْض المِزاجْ

أيها السَّاقي فبادِرْ بالعِلاجْ ... رصِّعِ الشمسَ لنا بالشُّهُبِ

واسْكُبِ الفضَّة فوق الذَّهَبِ

السيد موسى الرَّامحمدانيّ

من صفوة آل أبي طالب، وسُراة لؤي بن غالب.

تقتبس من مشكاته أنوار الصلاح، وتطلب من جانب طوره أطوار الفلاح.

طلع من قريته قبل أن يبلغ أشدَّه، وقد ربط نطاق عزمه وشده.

ثم ورد حمى الشَّهباء الأزين، كما ورد موسى ماء مدين.

فوجد أمَّةً من الناس على مائها يسيغيون، كما وجد موسى على ماء مدين أمَّةً من الناس يسقون.

فشرب من زلاهم حتى ارتوى، وحدَّث عنهم بما سمع وروى.

ومن خوارقه أنه خرق بحر القريض في تراجع أمره، وذلك بعد ما تجاوز عدد الميقات من سنى عمره.

والشاعر يقول:

وماذا يبتغي الشعراءُ منِّى ... وقد جاوزْتُ حدَّ الأربعينَ

فأظهر تلك البيضا في صنعة الشعر، وسحر بالبداهة والمعهود أنه يبطل السحر.

فكان قلمه كعصا سميِّه ثعبان البيان، يتلقف ما تلقيه سحرة البلاغة بين اللسان والبنان.

إذا جاء موسى وألْقَى العصا ... فقد بطَل السحرُ والساحرُ

ثم حجب بصره وكفَّ، فأصبح لشرفه محمولا على الأكفّ.

وهو في الشعر يوازن شاعر معرَّة النُّعمان، لكنه منزَّه الفطرة عن معرَّة العميان.

فمن غرائبه قصيدةٌ، أرسلها إلى دمشق، لأحمد شاهين، ضمن كتاب ولم يذكر اسمه، وأرسله مع من يجهل حدَّه ورسمه.

والقصيدة مطلعها قوله:

بانُوا فحدِّثْ عن الأحبابِ يا طَلَلُ

ومن جملتها:

أنَّي توجَّهَتِ الأظغانُ أيْن سَرَوْا ... مَن في الهوادِج مغذا وارَتِ الكِلَلُ

عن يَمْنة الحيِّ أم عن يَسْرِه ظعَنوا ... أم شَمْألاً أو جَنُوبا سارت الإبلُ

بانُوا وفي العْين منهم منْظرٌ حسَنٌ ... وفي الفؤاد كلُومٌ ليس تنْدمِلُ

فلما وصل الكتاب إلى الشّاهينيّ، سألأ ناقله عن مرسله، فلم يزده على أنه رجل من أشراف حلب.

فأجابه الشاهينيّ بهذه الأبيات، وأرسلها مع ناقل الكتاب:

ومن عجَبٍ دون العجائب عاجِبِ ... كتابٌ أتانا ليس يُعْزَى لكاتبِ

كتابٌ كريمٌ حيث أُلْقَىِ بيْننا ... طربْنا وقلنا من أجلِّ مُكاتِبِ

وأذْكَرنا لما أتانا مُنكَّراً ... سليمانَ إذ لم نَحْظ منه بصاحبِ

وقلنا كريمٌ من كريمٍ وإنني ... لعِرفانِ مُنْشِيه لأطْلَبُ طالبِ

على أنه قبلاً سليمانُ لم يكنْ ... ليكتُب إلا واسْمُه غيرُ غائبِ

فراجعه بقصيدة طويلة، قال في آخرها:

إن ابن شاهينَ لا تُنْسى صَنِيعتُه ... لو أنها نصفُ بيتٍ خُطَّ بالشعرِ

أنا الكليمُ عَصاتِي غيرُ خافيةٍ ... إن شِمْتها انْبَجستْ عينٌ من الحجَرِ

عينٌ من المجد ترْمى جوانبها ... نَبْلَ القصيد فترمى الأُسْدَ بالذَّعَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>