للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تجْرِى الأمورُ بوَفْق ما يخْتارُه ... ويُطِيعه العاصِي بكلِّ مَرامِ

فكأنما الأقْدارُ طَوْعُ يمينِه ... بعد المُهيْمن في قَضا الأحكامِ

قُطْبٌ تدور عليه دولةُ أحمدٍ ... ملَك الدُّنَا بالحَلِّ والإبْرامِ

هابَتْه أنفاسُ النفوسِ بأسْرِها ... في الناس بعد العالِم العَلَّامِ

ولِبأْسِ شِدّته الأسودُ تشرَّدتْ ... وتستَّرتْ في الغابِ والآجامِ

منها:

يلْقَاك بالبِشرِ الذي مِن نَشْرِه ... ريحُ المنى يسْرِى بطِيب مَشامِ

بخَلائِقٍ تكْسو الرياضَ خلائقاً ... فتضِيعُ رَيَّا مَنْدَلٍ وخُزامِ

ويُرِيك من رِضْوان عَدْلٍ جَنَّةً ... فيها لحَرْبِ البَغْيِ أيُّ ضِرامٍ

منها:

يا أيها الطَّوْدُ العظيمُ وصاحبَ الطَّ ... وْلِ الجسيمِ وجَوْشَنَ الإسلامِ

أُلْبِسْتَ من حُلَل الصَّدارة خِلْعةً ... قنِع الأُلَى منها بطْيفِ مَنامِ

ما دار في فَلك المُديرِ مَدارهُ ... إلا لْخبلِكِ وَدَّ دَوْرَ حِزامِ

ما أوْ كبَتْ زُهْر الدجَى بكوَاكبٍ ... إلا لنَصْرِك في ألَدِّ خصامِ

إلى أن قال في آخرها:

كتبتْ مدائحُك الليالِي أسطُراً ... تبْقَى بقِيتَ على مدى الأيَّامِ

وله:

قد جدَّد الشوق الجديدَ خيالُكمْ ... بجوارِحي وضمائرِي وسَرائرِي

فإذا نظرتُ إلى الوجودِ رأيُتكمْ ... في كلِّ موجودٍ عَيانَ الخاطرِ

وله:

قد قَّسم الحبُّ جسمي في محبَّتكمْ ... حتى تجَزَّى بحيث الجسمُ ينْقسمُ

وما تصوَّرتُ مَوْجوداً ومنعدِماً ... إلا خيالكمُ الموجودُ والعدمُ

ما إن نَثرتُ دموعَ القطْرِ من حُرَقٍ ... إلا تحقَّقْتُكم في القَطْرِ ما زعمُوا

[السيد أسعد بن البتروني]

ريحانة جاذبتها أيدي الصبا، فلم تزل غضة المهز من عهد الصبا وحضرة عليها للجنان صور، تشف عن كحل في عيون الغيد وحور.

صافي الطبع كالزجاج في نقائه، منتظم العشرة كالسلك إذا انتقى جوهره وجيد في انتقائه.

وهو في الأدب جامع نوادر وشوارد، يزينها بجمال المشترى وظرف عطارد.

تعودت غصب العقول نكاته البديعة، كأن لها عند كل قلبٍ من قلوب الرجال وديعة.

وكنت وأنا بالروم نعمت بدنوه، ونسمت على نسمات مودته وحنوه.

في عهد أشهى للجفن من لذة هجوعه، وألذ من بشارة الشيخ بعوده لصباه ورجوعه.

وهو من أنه جاوز العشرة التي تسميها العرب دقاقة الرقاب، كثير التلفت لجمع شمل اللهو والارتقاب.

إلى أن اعترضه آخر أمره مرض، دام إلى أن انطوى عمره، وانقرض.

وأحسب أن الله أراد به تكفير سيئاته، وتمحيصه من فرطاتٍ سلبت كثيراً من حسناته.

وقد أوردت من شعره ما أحدقت به المحاسن إحداقا، ونبه لزهرات الروض أعيناً وأحداقا.

فمنه قوله، من قصيدة كتبها إلى السيد موسى الرامحمداني:

قد حلَّ أمرٌ عَجَبُ ... شَيْبٌ بفَوْدِي يلعبُ

نجومُه لا تغرُبُ ... فأينَ أين المهربُ

أرجو بقاءً معه ... ما أنا إلَّا أشْعَبُ

هذ الشبابُ قد مضى ... وبان منِّى الأطْيَبُ

هل عيشةٌ تصْفو لمن ... قد غاب عنه المُطرِبُ

دهرٌ أرانا عجَباً ... وكلُّ يومٍ رجبُ

أندُبُ أياماُ مضتْ ... فيها صَفا لى المشربُ

في حلَبٍ بسادةٍ ... قد خدَمتْهم رُتَبُ

من كلِّ سمحٍ ماجدٍ ... تخجَل منه السُّحبُ

أفْناهُم الموتُ الذي ... لكلِّ بِكْرٍ يخطُبُ

وما بها مِن بعدهمْ ... مَن للمعالي يُنسَبُ

سوى جَهولٍ سِفْلةٍ ... عن كلِّ فَضْلٍ يُحجَبُ

وهْو إذا أمَّلْتَه ... كلبٌ عَقُور كَلِبُ

أستغفرُ الله بها ... أستاذُنا المهذَّبُ

مُوسى الذي لفضْلِه ... مُدَّ رُواقٌ مُذْهَبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>