للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[السيد حسين النبهاني]

أديب بشرطه، الموجب لخموله وحطه.

فما نقص من حظه، زيد في حظه.

سروجي المذهب، ذاهب في التلون كل مذهب.

لا يهبط بلداً إلا أبدى أعجوبة محجوبة، وبنى دسته على حيلةٍ منصوبة، وجدة مغصوبة.

ثم يفارقه مفارقة لبد، ويقول: " لا أقسم بهذا البلد ".

وقد رأيته بالروم وجهه أغبر، وهمه من وعائه أكبر.

يظهر كل يوم في نمط، وحيثما سقط لقط.

وعاشر ممن أعرف فرقةً رفقة، أداه خلل حاله معهم إلى فرقة وحرقة.

وتلاعبت به الظنون في ذلك الفريق، تلاعب موج البحر المهتاج بالغريق.

وبقي أنقى من الراحة، شاكيا بلسان كمده مغداه ومراحه.

وفارقته وهو منغمر في تلك الأوحال، وتبريحه ما برح وحاله ما حال.

ثم بلغني أنه انتعش، فكانت نعشته النعشة الأخيرة، وأدركه أجله الذي نفى الحكيم تقديمه وتأخيره.

وهو بارع في النظام والنثار، إلا أنه يرمى في شعره بالإكثار.

ولكون الكثير مملول الطباع، لم أذكر منه إلا نزراً سهل الانطباع.

فمنه قوله، من قصيدة في المدح:

العلمُ والحلمُ والمعروفُ والجودُ ... وكلُّ وصفٍ حميدٍ فيك موجودُ

حويْتَ ذلك إرْثاً عن أبٍ فأبٍ ... كأنكمْ في رياض المجد عنقودُ

يا مَن بِسُؤْدِده أعداؤُه شهدتْ ... وكيف لا وهو مشهورٌ ومشهودُ

ففي العَطا تُغرِق الدنيا بأجمعِها ... وفي السَّطا تتوقَّاك الصَّنادِيدُ

حاشَاك تحرِم عبداً مات من ظَمأٍ ... ومَنْهلُ الجودِ من كفَّيْك مورودُ

لا سِيَّما أن لي حقَّ الجوارِ ولي ... في كلِّ آنٍ بمَدْحي فيك تغْريدُ

وما تقادَم عهدِي في الدُّعا لكمُ ... إلاَّ ويعقُبه في الحال تجْريدُ

ولم يجاوِرْ كريماً قطُّ ذو أملٍ ... إلاَّ غدا وهْو من نعْماه محسودُ

لكنَّ حالِيَ لم يعلمْ بها أحدٌ ... إذْ لا يُحيط بها رَسْمٌ وتحْديدُ

وأنشدني نادرة الوقت المولى عارف للنبهاني، يمدحه:

أنا في التَّباعُدِ والدُّنُوّ ... أرجو لمولانا العُلُوّ

أبداً تراني رافعاً ... كفِّي إلى ربٍّ عَفُوّ

أدْعوه في سرٍّ وجَهْ ... رٍ أن يُدِيمك في السُّمُوّ

فيما يُسَرُّ به الصدي ... قُ وما يُساء به العدُوّ

يا عارفاً هو للمعا ... رفِ بالعِشيِّ وبالغُدُوّ

بل للفضائلِ والفَوا ... ضلِ والفُتوَّة والمُرُوّ

مَن دَأْبُه بَثُّ المَكا ... رمِ والحفيظة والحُنُوّ

مَن سيفُه ثُكْلُ العِدا ... ةِ وسَيْبُه حُورٌ وحُوّ

وبذكْرِه طاب المدِي ... حُ أما تراهُ في زُهُوّ

مولايَ يا مَن فضلُه ... ما إن رأيتُ له كُفُوّ

هذِي العُجالة قد أتتْ ... كَ تعوذُ من طَرْف السُّلُوّ

وتَميسُ في حُلَل الفصا ... حةِ بالملاحةِ والدُّنُوّ

نطقتْ بما يحْوى الحشَا ... لا بالتقوُّل والغُلُوّ

وهيَ التي لو رامَها ... قُسٌّ رمَتْه بالنُّبُوّ

اسلَمْ ودُمْ تسمُو على ... شُمِّ الذُّرى أسْمَى السُّمُوّ

[القاضي ناصر الدين الحلفاوي]

حليف أدب وأرب، وأليف جذل وطرب.

ورونق روض ناضر، وتحفه جواب حاضر.

وقد طالت في الفضل باعه، وأشربت حب الأدب طباعه.

فذهب في مجاله عرضا وطولا، وأصبح فيه وهو صاحب يد طولى.

ترد أربابه عليه، ويرجعون في دعاويهم إليه.

فتعرب براعته عن فصل خطاب، وتسفر حكومته عن ثناء مستطاب.

وهو خالص من الشوب، طاهر العرض والثوب.

نقي الشيبة، ممتزج المباسطة بالهيبة.

توفي عن سن عالية، وحالته بالرفاهية حالية.

وقد أثبت من شعره ما سهل مساقه، وأحكم في الصنعة اتساقه.

فمنه قوله من سلسلة أولها:

يا معتدلَ القَدِّ هو لوعْدك إنْجازْ ... أو طيفُ خيال يُلِمُّ نحويَ إنْ جازْ

<<  <  ج: ص:  >  >>