للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترنُو بلحاظٍ لهنَّ فعلُ مَواضٍ ... في القلبِ وتسطُو من القَوام بهزَّازْ

فالشوقُ غريمي والفكرُ فيه نَديمِي ... والدمعُ حَمِيمِي وفي اصْطباريَ إعْوازْ

لم تحْكِ مُحيَّاه فاحْتجبْ بغَمامٍ ... يا بدرُ فحِبِّي مدى الملاحةِ قد حازْ

يا عاذلاً هلاَّ تركْتني وغرامِي ... ما كنتُ لأُصغِي إلى نصيحةِ هَمَّازْ

يا من ملَك الحسنَ في الأنامِ جميعاً ... ما أسْعد صَبّاً بطِيبِ وصلِك لو فازْ

قلبِي بك لاَهٍ وعقْد صَبْرِيَ وَاهٍ ... إذْ وجهك زاهٍ وطرفُ لحظِك غمَّازْ

نظمتُ جُمَانَ البديع فيك عقوداً ... يا حُسْنَ نِظامٍ أتَى بأبْدع إبْرازْ

قسمتُ وجودِي لمَّا جمعتَ صدوداً ... والبَيْنَ فهل حلَّ ما صنعْتُ وجازْ

وقوله محاجياً:

يا كاملَ الفضْلِ في المعانٍي ... وللأحاحِي غدا يُعانِي

امْنُنْ بردِّ الجواب فضْلاً ... ما مثلُ قولي ألْمَى جَفانِي

[محمد بن تاج الدين الكوراني]

أديب لبيب، مليح التشبيه والتشبيب.

لحق من الأدب ما لم يلحق، وانفرد بأشياء كأنها لم تخلق.

وله المجد الطامح، إلى ما فوق الأعزل والرامح.

على انتهاضٍ بين أكفائه، وشهرة في تنبهة وإغفائه.

إلا أن عمر سروره قصير، والدهر بتفريق المجتمع بصير.

وقد أثبت له ما يقطر من ماء الظرف، وتتمتع به الروح قبل الطرف.

فمن ذلك قوله في الغزل:

طرقْتُ ديارَ الحيِّ والليلُ حالكٌ ... طُروقَ فتىً لا يخْتشِي الدهرَ من ضُرِّ

وخُضتُ بحارَ الموت والموتُ حائمٌ ... كحَوْمة نَسْرِ الأُفْق فيها على وَكْرِ

ودُستُ بِساطَ الأُجمِ عمداً وأسْدُها ... توقَّد منها الأعْيُن الحُمْر كالجمرِ

إلى أن أتيتُ الحيَّ نحو خِباءِ مَن ... أراشتْ فؤادِي من لواحظِها الفُتْرِِ

فلم ألْقَ إلا صَعْدةً سَمْهريَّةٍ ... عليها مُحيَّا منه يبدو سَنا البدرِ

عَرضتُ لها عُذْرِي وأظهرتُ ما حوَى ... جوَى مُهجتِي من مُحكماتِ هوى العُذْرِي

فرقَّتْ وراقتْ وانْثَنَتْ وتعطَّفتْ ... وحَيَّتْ فأحْيتْ مَيِّت الشوقِ والصبرِ

وجادتْ بجيدٍ للتَّداني وأرْشفتْ ... رُضاباً رَحِيقياً ينُوب عن الخمْرِ

وبِتْنا وقلبُ البرقِ يخْفِق غَيْرَةً ... علينا وعينُ النجمِ تنظُر عن شَذْرِ

البيت الأخير مضمن من رائية ابن خفاجة، وقبله:

ودون طُروقِ الحيِّ خَوْضةُ فَتْكةٍ ... مُوَرَّسَةِ السِّرْبالِ داميةِ الظُّفْرِ

تطلَّع من فَرْعٍ من النَّقْعِ أسودٍ ... وتُسْفِر عن خَدٍّ من السيفِ مُحْمَرِّ

فسِرْتُ وقلبُ البرقِ يخفِق غَيْرةً ... هناك وعينُ النجم تنْظر عن شَذْرِ

وله في معذر اصطبح الورد واغتبق بوجنتيه، وقلم الريحان مشقٌ فوق عارضيه:

بدَا بدْراً بآياتِ الكمالِ ... مليحٌ قد تفرَّد بالجمالِ

تخيَّل ناظِري في وجْنتيهِ ... مِثالاً كالعِذَارِ بلا مِثالِ

فقلتُ له وعِقْدُ الصبرِ منِّي ... لدَهْشة ناظِرِيَّ في انْحلالِ

عقيدةُ مطلبِي هل ذاك نَبْتٌ ... أَبِنْ لي قال حاشيةُ الخيالِ

قلت: هذه الحاشية، عليها خيال الخيالي على " الحاشية ".

وأول من عبر بهذه العبارة فيما أعلم ابن النبيه، في قوله:

كأن ذاك العِذَارَ حاشيةٌ ... خرَّجها كاتبٌ لنِسْيانِهْ

ثم تصرفت فيها الشعراء على حسب خيالاتهم، حتى جاء العسيلي المصري، فقال:

صحيفةُ الخدِّ التي ... للحُسْنِ فيها صُوَرُ

مُذ حُشِيتْ بعارضٍ ... لم يَبْقَ فيها نَظَرُ

ومن هنا انظر قولي، مع قول الكوراني، والعسيلي:

في حاشيةِ الكَمالِ من عارِضٍ ... دَوْرٌ وتسَلْسُل ولي فيه نَظَرْ

وقول الشهاب الخفاجي:

<<  <  ج: ص:  >  >>