للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدُمْ وابْقَ واسلَمْ لابْن شيْبانَ مَلْجَأً ... تَشِيد من العلْياء ما الدهرُ هادِمُهْ

فقد مدَّتِ العَلْيا عليك ظلالَها ... وحيَّتْك من ثغْرِ الربيعِ مَباسِمُهْ

[حسين بن مهنا]

أديب فصيح المقال، مرهف طبعه غنيٌ عن الصقال.

اقتطف القول جنياً، وتناول كأسه سائغاً هنياً.

ولد بحلب، وتقلب في النعم أكرم منقلب.

وتكررت منه إلى دمشق الوفادة، فجلا بها عن صبح الإفادة والاستفادة.

واكتسب تلك الرقة التي تحسدها رقة الصبا، من امتزاجه بأبنائها امتزاج الماء الزلال بالصهبا.

فخطبته الحظوة، وما قصرت له الخطوة.

ودرجته الأيام والليالي، إلى أن صار بخطابة سليميتها المقدم وخلفه المصلي والتالي.

ثم أقلع إلى مسقط رأسه، ومنبت غراسه.

وبها تلاحق به الحمام، فكان من ترابها البداية وإليه التمام.

وقد أثبت له ما تتخذ سطوره ريحانا، وترجع ألفاظه ألحانا.

فمنه قوله:

أنُسيْمةً بالطَّلِّ تنْدَى ... باللهِ إن وافيْتِ نَجْدَا

فتجمَّلي للِقا الحبي ... بِ وشمِّري بالجِدِّ بُرْدَا

وتحمَّلي في طَيِّه النَّ ... شْرَ النَّدِيّ عدِمتِ نِدَّا

وتعهَّدي بَثَّ الهوى ... بل يَمِّمي في السَّيْرِ وَخْدَا

وإذا وصلتِ إلى الشآ ... مِ وفاح نادي الروضِ نَدَّا

أدِّي أَلُوكةَ مُغرمٍ ... ما خان للأحبابِ عهدَا

منها:

أوَّاه طِيبُ العيش أيْ ... ن بظلِّكم والصَّفْوُ نَدَّا

مرَّت لياليَ فيه مُرُّ ... السُّهْدِ قد ذُقْناه شُهْدَا

من يوم فارَق ناظرِي ... ذاك الجمالُ عدِمتُ رُشْدَا

وبقِيتُ في قومٍ رأَوا ... كلبَ الغَنِيِّ يفُوق أُسْدَا

عقلوا وما عقَلُوا فلِي ... عن حبِّهم مَسْرَى ومغْدَى

لذَوي المعالي والمعا ... رفِ والكمالِ أجِدُّ جِدَّا

فأحُوز منهم ما ينا ... ل به الفتى شرفا ورُشْدَا

لكنَّ أين العَنْدَلي ... بُ رقى من الأفْنان مُلْدَا

غنَّى له لما سقَى ... في دَوْرةِ الدُّولاب وجْدَا

فشدَا على ورد الريا ... ضِ فأحْرق الأحشاءَ وَقْدَا

ورأيتُ ذاتَ الطَّوقِ أبْ ... دتْ مثلما قد كان أبْدَى

أترى الزمانَ يُعيد لِي ... في عَوْدِ من أهْواه رِفْدَا

يا دهرُ خُذْ رُوحِي إذا ... بشَّرْتَني سَلَفاً ونَقْدَا

وقوله:

وحقِّ ليالٍ قد مضَيْنَ عفائفاً ... وحُرْمةِ أيامٍ مضتْ بصفَاءِ

لأنْتِ بسَوْداوَيْن قلبي وناظِري ... وذكرُك وِرْدِي بُكْرتي ومَسائِي

وإنِّي على العهدِ الذي كان بيننا ... مُقِيمٌ على وُدِّي وحُسْنِ وَفائِي

وقوله مضمنا:

فُتِنتُ بظَبْيٍ أهْيَفِ القَدِّ فاتنٍ ... بعينٍ لها عن قَوْسِ حاجِبه جَذْبُ

صبَوْتُ به لما رأيتُ جمالَه ... ومَن ذا يرى هذا الجمالَ ولا يصْبُو

وقوله:

كأنما الخالُ قُرْبَ الثغر مِن رَشَأٍ ... مُعذَّرٍ راشِقٍ سهماً من المُقَلِ

شُحْرورُ وردٍ أراد الوِرْدَ ثم أرى ... صِلاًّ يدور حَواليْه فلم يصِلِ

حام فيه على معنى الحرفوشي في قوله:

كأنما الخالُ فوق الثغرِ حين بدَا ... وقد غدَا فِتْنةَ الألْباب والمُقَلِ

هَزارُ أيْكٍ سعَى من روضةٍ أُنُفٍ ... لمَنْهَلٍ راجياً رَيّاً فلم يصِلِ

وله ملغزا في شعير:

ما اسمُ شيءٍ من النَّبات إذا ما ... زال حرفٌ منه غدا حيَوانَا

رُبْعه معدِناً تراه وشمساً ... وترى فيه جَهْرةً إنسانَا

وبتصْحِيف بعضِه فهْو نارٌ ... وتُروِّي من بعْضِه الظمآنَا

[محمد بن عبد الرحمن]

درة مغفلة، وخزانة مقفلة.

ولولا أني ظفرت باسمه عفوا، ووردت من منهل أدبه الفياض صفوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>