للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليلٍ كبحرٍ خُضْتُ أمواجَ جُنْحِه ... على سابحٍ عن سَيْرِه قصَّر النَّسْرُ

أكَفْكِف أذْيالَ البوادِي تعسُّفاً ... ولا يرْعَوِي إن راعَه الضربُ والزَّجْرُ

كان أبا الفضلِ البهاءَ محمَّداً ... لنا حيث سِرْنا من صباحتِه فَجْرُ

وقوله من أخرى، مطلعها:

أأيَّتُهنَّ إذْ تبدو نَوارُ ... صَدُوف أم كَنُود أم نَوارُ

بعيشِك هل سمعتَ فما سمعْنا ... بآرامٍ وليس لها نِفارُ

برَزْنَ من الخدورِ مُحجَّباتٍ ... ومحمودٌ من البدرِ السِّرارُ

طَلعْنَ عليك ثم خَنَسْنَ عُجْباً ... كذلك تفعل الغُرُّ الجِوارُ

حَذارِ لواحظاً منهن دُعْجاً ... فمقْتول الهوى منها جُبارُ

وبِي منهنَّ أُمْلُودٌ رَدَاحٌ ... نأتْ عنِّي وقد شطَّ المَزارُ

لقد غدرت أُخَيَّ وغادرتْني ... وحيداً لا أزور ولا أزارُ

وأنشد له السيد عبد الله الحجازي، يهجو قرية أوارين:

ولو أن لي في كلِّ وقتٍ وساعةٍ ... بقريَة أوّارينَ ما أتمنَّاهُ

لقُلت خليليَّ ارْحلا بي عن التي ... تُكثِّر أوْصابِي فلا بارك اللَهُ

[مصطفى بن محمد بن نجم الدين الحلفاوي]

خطيب وابن خطيب، وعبير مستفاد من مسك وطيب.

تناول المجد كابراً عن كابر، واستفاده ما بين أسرة ومنابر.

وهو من قوم رقوا عن الدرج، وأمن مادحهم من الاعتراض والحرج.

لأياديهم فتحت بالثناء أفواه الأعلام ولأقدامهم طأطأت رؤوس المنابر والأقلام.

لم تزل النجابة فيهم نسقاً على نسق، وإذا لاحت وجوههم أضاءت بالليل وما وسق.

وأنا إذا أمسكت عن ذكرهم لساناً رطيباً، فقد قام اشتهارهم عني في الآفاق خطيباً.

وقد نبغ منهم هذا الندب كما شاءت العلى، فجاء متحلياً من الفضائل الغر بأفخر الحلى.

وقد عرف فيه الرشد، من حين وضع في اللفافة وشد.

إلا أنه اخترمه الأجل وغصنه يانع، وليس له عند التوسع في الملآثر مانع.

وقد أنشدني بعض الأدباء له بيتين، جئت بهما في هذا المحل مثبتين.

وهما قوله:

قالوا سَلاَ قلبُه عن حبِّهم وغدا ... مُفرَّغَ الفكرِ منهم خاليَ البالِ

قلتُ اثبِتُوا أن لي قلباً أعيشُ به ... ثم اثْبِتُوا أنه عن حبِّهم سالِي

وهذا معنى حسن، وقلت فيه من قطعة:

وظننتَ قلبي سالياً ... أتركْتَ لي قلباً فيسْلُو

وقلت أيضاً:

قال تسَلَّى وقد جفانِي ... ونام عن صَبْوتي وحُبِّي

صدقتَ بالقلبِ كنتُ أهوى ... ما حِيلتي إذ أخذتَ قلبِي

والأصل فيه قول بشار:

عَذِيرِي من العُذَّالِ إذ يعْذِلونني ... سَفَاهاً وما في العاذلين لبيبُ

يقولون لو عزَّيْتَ قلبَك لارْعَوَى ... فقلتُ وهل للعاشقين قلوبُ

ومثله لابن الوضاح المرسي:

يقولون سلِّ القلبَ بعد فِراقِهمْ ... فقلتُ وهل قلبٌ فيسْلو عن الحبِّ

وللعرجي ما هو منه ولا يبعد عنه:

وزعمتِ أن الدهر يُقْنِعني ... صبْراً عليك وأين لي صبرُ

وللبهاء زهير:

جعل الرُّقادَ لي يُواصل مَوعِداً ... من أين لي في حبِّه أن أرْقُدَا

وللبوريني:

يقولون في الصبحِ الدعاءُ مُؤثِّرٌ ... فقلتُ نعم لو كان ليلِي له صبحُ

وللشهاب الخفاجي:

يقولون لي لم تُبْقِ للصلحِ مَوْضِعاً ... وقد هجرُوا من غير ذَنْبٍ فمَن يُلْحَى

صدقْتُم وأنتُم للفؤادِ سلَبتُمُ ... وماليَ قلبٌ غيره يطلُب الصُّلْحَا

[محمد بن محمد البخشي]

من أفراد العلم الكبار، الحسان الآثار والأخبار.

وكان من سمو القدر، واتساع الصدر، ونببل الهمة، ورعى الذمة.

في حدٍ ما وراءه مطمع، ولا يتقرط بمثل خبره مسمع.

إلى تقوى باطنه معمور، وقناعة موطنه ببركاته مغمور.

وإيثار بما ملك، ووقارٍ يتبعه أنى سلك.

توازن به السحب الهواطل إذا حبا، ولا ترضى أن تشبهه الجبال الروازن إذا احبتى.

<<  <  ج: ص:  >  >>