للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويجعل البُرَّ قَمْحاً في تصرُّفهِ ... وخالف الرَّاءَ حتى احتال للشّعَرِ

ولم يُطِق مَطَراً والقولُ يُعجِلُه ... فعاد بالغيْث إشْفاقاً من المطرِ

ومما يحكى عنه، وقد ذكر بشار بن برد: أما لهذا الأعمى المكتني بأبي معاذ من يقتله: أما والله لولا أن الغيلة خلق من أخلاق الغالية، لبعثت إليه من يبعج بطنه على مضجعه، ثم لا يكون إلا سدوسياً أو عقيلياً.

فقال: هذا الأعمى، ولم يقل: بشاراً، ولا ابن برد، ولا الضرير.

وقال: من أخلاق الغالية، ولم يقل المغيرية، ولا المنصورية.

وقال: لبعثت، ولم يقل: لأرسلت.

وقال: على مضجعه، ولم يقل: على مرقده، ولا على فراشه.

وقال: يبعج بطنه، ولم يقل: يبقر.

وذكر بني عقيل؛ لأن بشاراً كان يتوالى إليهم.

وذكر بني سدوس؛ لأنه كان نازلاً فيهم.

وكلف تأدية هذه العبارة، وهي: أمر أمير الأمراء أن يحفر بئرٌ على قارعة الطريق؛ ليشرب منه الوارد والصادر.

فقال: حكم حاكم الحكام أن ينبش جبٌّ على الجادة؛ ليستقي منه الصادي والغادي.

واستعمل الشعراء إسقاط الراء في أشعارهم.

فمنه قول أبي محمد الخازن، من قصيدة يمدح بها الصاحب بن عباد:

نعَم تجنَّب لا يوم العطاءِ كما ... تجنَّب ابنُ عطاءٍ لَثْغةَ الرَّاءِ

وقال آخر، في محبوب له ألثغ:

أجعَلتَ وصلِي الراءَ لم تنطِقْ بها ... وقطَعْتني حتى كأنَّك واصلُ

وللمترجم في مليح ألثغ في الراء:

أعِدْ لَثْغةً لو أنَّ واصلَ حاضرٌ ... فيسْمَعها لم يهجُر الراء واصلُ

عرفي الشيرازي هو في أدباء فارس، لدر الكلم في روض الطوس غارس.

وكان دخل الهند فجاس خلاله، وملأ بلاده جلالة.

وحل به محل الماء من الصديان، والروح من جسد الجبان.

فنشل ما في كنانته من المكنونات، ونثر ما في ذخائره من المخزونات.

وبها دعاه الله إليه، فلا زالت سحائب الرحمات منهلةً عليه.

ولم أقف له على شعر عربي تنقله الرواة، فعربت مفردات جعلتها حلى الأسماع والأفواه.

فمنها:

كلُّ عَزْمٍ حوَى الأنامَ هَباءٌ ... عند عَزْم العلاَّمةِ الأستاذِ

لو يكن كفُّه وحاشَاه شَمْعاً ... جذَب النارَ من حشَا الفُولاذِ

ومنها:

وَيْلايَ قد وُجِدتُ بعد ما انْمَحتْ ... مراسِمُ الشَّبِيبةِ المأْهولَهْ

فصرتُ شيخاً هَرِماً من قبل أن ... أُعاينَ الشبابَ والكُهولَهْ

من هذا:

وأرجُو أن يُعِيد رُوا شبابي ... زمانٌ غادَر الوِلْدانَ شِيبَا

طالب الآملي شاعرٌ مراميه مصميةٌ لأغراضها، وجواهر كلماته خلصت من شائنة أعراضها.

قبلة النفوس من جميع الجهات، فكل قضاياه إلى الصواب موجهات.

وقد عربت له:

لَوَ انَّ الجاهَ مخصوصٌ ... بأهل الجودِ والكرَمِ

لَخُصَّ المسكُ بالغزلاَ ... نِ حول البيْتِ والحَرَمِ

صائب واحدٌ معدودٌ بألف، جميع من تقدمه من شعرائهم متأخر مع الخلف.

لا يوتر إلا رشق رشق صائب، وأشعاره عندهم أكاليل على الجباه وعصائب.

رفعته ملوك أوانه، وباهت أهل داووينها بديوانه.

وأوسعته رعيا، وأحسنت فيه رأيا.

تييه الأقلام تحية كسرى، وتقف الآراء دون مداه حسرى.

وقد تلاعب بالمعاني تلاعب الصبا بالبانة، والصبا بالعاشق ذي اللبانة.

فكأنما قلمه مزمارٌ ينفخ الأهواء في يراعته، وعزيمةٌ تنطق مجنون الوجد من ساعته.

وقد أوردت من معرباته ما تطيش عند تخيله الأذهان، وتبطل فيه رقى الهند وتزاويق الكهان.

فمنه:

مَن لي بمَن ألْقاه من إعْجابه ... بتَتابُع الأنفاسِ دَلاً يُحْدِثُ

لولا فَنائِي عند كلِّ دقيقةٍ ... لحسِبْتني إن قلتُ آهاً ألْهَثُ

ومنها:

ما المُلْكُ بالمالِ ولا ... بالخيلِ ولا بالدَّرَقِ

إسْكندرُ الدهر فتىً ... يملِك سَدَّ الرَّمَقِ

فصل جعلته للمعربات

قديماً وحديثاً

فمن ذلك ما ذكره الباخرزي في دميته للكافي العماني:

وصحراءَ ردَّتْها الظِّباءُ حفائراً ... بأظْلافِها أحْسِن بها من حفائرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>