للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهْدَى لنحوِي عَرُوبَ نَظْمٍ ... تزْهُو من الحسنِ في غلائِلْ

أعْيَتْ على القائلين حتى ... لم يَبْقَ قولٌ بها لقائلْ

مولايَ دُمْ في الورَى تُحَلِّي ... بالدُّرِّ جِيدَ المُنَى العَواطِلْ

واعْذِرْ مُشَتَّ الخيالِ صَبَّاً ... بالرَّغْم من أرضِ مصرَ راحِلْ

لولاك ما جادَ منه فكرٌ ... لم يحْتمِلْ مِنَّةَ الصَّياقِلْ

واسْلَمْ مَدَى الدهرِ في نعيمٍ ... يبْقَى ببُقْياكَ غير زائلْ

وقد أمرتني أن أجيبك وأجيزك، وأوزان بمثقال كلمي الحديد إبريزك.

فتحيرت بين أمرين أمرين، ووقع ذهني السقيم بين داءين مضرين.

إن فعلت ما أمرتني به فما أنا من رجاله، ومن أنا حتى أحرز شوطاً في مجاله.

كيف والميلاد قريب، والسن قد أخذت من الصنب بنصيب.

والرؤية ما تنقع الغلة، والرواية دون القلة.

وإن منعت أسأت الأدب، وفوت من حسن الطاعة الأرب.

ثم ترجح عندي الامتثال، وأجبت سائلاً منه تعالى توفيقي لصالح الأعمال.

وأجزتك بجميع ما تجوز لي روايته، وتصح عني درايته.

من مسموعٍ ومأثور، ومنظومٍ ومنثور.

وإجازةٍ ومناولةٍ، ومطارحةٍ ومراسلةٍ، وقنلٍ وتصنيفٍ، وتنضيدٍ وتفويف.

ولي بحمد الله رواياتٌ كثيرة، وأسانيد كالشمس راد الضحى منيرة.

وأما مشايخي فلو كنت من شرح أحوالهم أنتصف، لقلت إن صحيفة العمر تضيق فيهم عما أصف.

فذكرتهم سرداً لأن مثلي مقنوعٌ منه باليسير، ومعذور في قصر الباع وضعف المسير.

وأي نسبٍ بيني اليوم وبين زخرف الكلام، وإجالة جياد الأقلام، في أوصاف الأعلام.

بعد أن حال الجريض، بين الإنشاء والقريض، وشغل الجسم المريض.

واستولى الكسل، ونسلت الشعرات البيض كأنها الأسل.

تروع بمرط الحيات سرب الحياة، وتطرق بذوات الغرر والشيات عند البيات.

والشيب الموت العاجل، وإذا ابيض زرعٌ صبحته المناجل، والمعتبر الآجل.

وأسأل الله تعالى مفيض الآلاء أن يستعملني وإياك فيما يرضيه، ويلطف بنا وبالمسلمين فيما يجريه من أحكامٍ ويقضيه.

ويجعلنا ممن ختم له بالحسنى، ويقربنا ممن جعل لهم المقام الأسنى.

وصلى الله على سيدنا محمدٍ وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الباب الثامن

في تحائف أذكياء المغرب

العُذر في تأخير هذا الباب واضح، كما أن فضلَ من ذكرتُه فيه لفضل غيرهمِ فاضِح.

فإن شمسَ الأدب عندهم إيداعُها، وإن كان من نُوِر أسِرَّتهِم ظهورُها وابتداعُها ولهذا قيل:

الغربُ خيرٌ وعند ساكنِه ... أمانةٌ تقتضِي تقدُّمَهُ

فالشرقُ مِن نَيَّريْهِ عندهُم ... يُودِع دِينارَه ودِرْهَمَهُ

وقد ذكرتُ من أهلهِ طائفةً ملأُوا بمَحاسنهم ما بين المغرب والمَشْرِق، ونَوَّرُوا ما بين البَسيطة والسّما بنورِهم المُشْرِق.

فمنهم:

علي بن الأَوْجَلِيِّ

هُو من قَلْب سَلْطنةِ أوْجَلةَ الصَّمِيم، وراعِي عَرارِها الفائِح نَشْرُه والشَّمِيم.

صاحبُ القول المُعْجِب المُغْرِب، الذي لم يَضُمَّ مثلَه المشرقُ والمغرب.

كان نازعَهُ المُلْكَ ابنَ عَمٍّ له تغلَّب عليه، وكاد بقُّوَّةِ مالِهِ وأخْيالِه يسُوق الحَتْفَ إليه.

فخرَج من دارِ مُلْكِه تَتراماه البلادُ تَرامِيَ الكُرةِ بالصَّوْلجان، وتزهُو به زَهُوَ الأيَّامِ بالنَّوْرُوزِ والمِهْرَجان.

يُفاوِحُ زهرَ الرُّبَى مَسْراه، ويُنافِح نسيمَ الصَّبا في مَجراه.

فإذا حَلَّ بنَادٍ اسْتقبلتْه الهَشاشة، وفُرِش له بين الذِّمَاء والحُشاشة.

فمن أوْجلةَ الغَرْب إلى مصرَ إلى دِمَشْق إلى حلَب، وبها حَطَّ رَحْلَه على وَفْقِ ما اقْتَرح وطلَب.

قال العُرْضِيُّ: فكتب إليه من كلمة طائيَّة:

بُرُوقٌ أطالتْ من سَلاسِلها السَّقْطَا ... فها مِجْمَرُ النُّوَّارِ قد ضَوَّع القُسْطَا

وفرَّخ في كَانُونِ قلبي سَمَنْدَلُ اشْ ... تياقِي لجيرانٍ أناخُوا بذي الأرْطا

سقى الْبارِقُ النَّجْدِيُّ لا بارقُ الحِمَىوحَيَّي الْحَيَا من أَدْمُعِي الدُّرَّةَ الْوُسْطَى

مَرابِعُ للغِزْلانِ كانتْ فأصبحتْ ... مَراتِعَها تَرْعَى بها الأثْلَ والخَمْطَا

<<  <  ج: ص:  >  >>