للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لهذا البيت حكاية لطيفة حكاها الحريري في درة الغواص عن حامد بن العباس أنه سأل علي بن عيسى في ديوان الوزارة عن دواء الخمار وقد علق به فأعرض عن كلامه فقال ما أنا وهذه المسألة فجعل حامد منه ثم التفت إلى قاضي القضاة أبي عمر فسأله عن ذلك فتنحنح القاضي لإصلاح صوته ثم قال الله تعالى " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ".

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " استعينوا على كل صنعة بصالحي أهلها " والأعشى هو المشهور بهذه الصناعة في الجاهلية وقد قال:

وكأس شربت على لذة ... وأخرى تداويت منها بها

ثم تلاه أبو نواس فقال:

دع عنك لومي فإن اللوم إغراء ... وداوني بالتي كانت هي الداء

فأسفر حينئذ وجه حامد وقال لعلي بن عيسى ما ضرك يا بارد أن تجيب ببعض ما أجاب به قاضي القضاة وقد استظهر في جواب المسألة بقول الله تعالى أولاً ثم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم ثانياً وبين الفتيا وأدى المعنى وتبرأ من العهدة فكان خجل على ابن عيسى من حامد بهذا الكلام أكثر من خجل حامد منه لما ابتدأه بالمسألة. وقال الشيخ صدر الدين ابن الوكيل.

إن الذي جعل الهموم عقاربا ... جعل المدام حقيقة درياقها

لم يصلب الراووق إلا عندما ... قطع الطريق على المدام وعاقها

ومعنفي في الخمر لو قد ذاقها ... ما لامني لكنه ما ذاقها

قال أطرح صفراء يطفي خمرها ... لهب القلوب إذا اشتكت احراقها

فأجبته ذقها وخذ من بعد ذا ... في طرق لومك إن أردت فراقها

وقد أنصف شيخ الشيوخ بحماة حيث قال:

أعاذلي ليس مثلي من تفنده ... وليس مثلك مأموناً على عذلي

ما دمت خلواً فما تنفك مهتماً ... أعشق وقولك مقبول علي ولي

وقال الآخر:

لو تعلم الورق حنيني نحوكم ... لمزقت من طرب أطواقها

ولو يذوق عاذلي صبابتي ... صبا معي لكنه ما ذاقها

حكي أن السلطان صلاح الدين قال يوماً للقاضي الفاضل لنا مدة لم نر فيها العماد الكاتب فلعله ضعيف أمض إليه وتفقد أحواله فملا دخل القاضي إلى دار العماد الكاتب وجد أشياء أنكرها في نفسه مثل آثار مجالس أنس وطيب ورائحة خمر وآلات طرب فأنشده:

ما ناصحتك خبايا الود من رجل ... مالم ينلك بمكروه ومن العذل

محبتي فيك تأبى ان تسامحني ... بأن أراك على شيء من الذلل

[الباب الثالث عشر]

[ذكر الإشارة إلى الوصل والزيارة]

أقول هذا باب عقدناه لذكر الزائر والمزور وما قيل فيهما من منظوم ومنثور وغير ذلك من عيادة الحبيب وما يستدل به عليه من روائح الطيب كما قيل:

لو أن ركباً يمموك لقادهم ... نسيبك حتى يستدل بك الركب

نعم طالما أهدى الحبيب بزيارته سروراً وأمس له الفضل زائراً ومزوراً كما قيل: فلفضله فالفضل في الحالين له فالزيارة من الحبيب لا تمل ولو ألحق فيها الوابل بالطل ومن أحسن ما قيل في زيارة الحبيب وعوده من قريب قول العكوك:

بأبي من زارني مكتتما ... خائفاً من كل شيء جزعا

زائراً نم عليه حسنه ... كيف يخفي الليل بدراً طلعا

رصد الغفلة حتى أمكنت ... ورعى السامر حتى هجعا

ركب الأهوال في زورته ... ثم ما سلم حتى ودعا

وما أحسن قول المعتز:

زارني والدجى أحم الحواشي ... والثريا في الغرب كالعنقود

وكأن الهلال طوق عروس ... بات يجلى على غلائل سود

ليلة الوصل ساعدينا بطول ... طول الله فيك غيظ الحسود

وقال الآخر:

زارت عله غفلة الرقيب ... كظبية روعت بذيب

وكان وقت الوصال منها ... أقصر من جلسة الخطيب

قال الشيخ العلامة علاء الدين مغلطاوي في كتابه الواضح المبين أنشدنا عبد العزيز بن سرايا الحلى لنفسه زاعماً أنها أصدق كلمة قالها الأواخر.

يقولون لي بالله ما أنت فاعل ... إذا زرارك المحبوب قلت أ ...

وقال يعقوب الشيباني:

<<  <   >  >>