للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اختلف الفقهاء هل يجب على الزوج مجامعة امرأته فقالت طائفة لا يجب عليه ذلك لأنه حق له فإن شاء استوفاه وإن شاء تركه بمنزلة من استأجر دار إن شاء سكنها وإن شاء تركها وهذا من أضعف الأقوال لأن القرآن والسنة والعرف والقياس يرده قال الله تعالى ولهن مثل الذي علين بالمعروف فإذا كان الجماع حق الزوج عليها فهو حق لها على الزوج بنص القرآن وقال الله تعالى وعاشروهن بالمعروف ومن ضد المعروف أن يكون عنده شابة شهوتها تعدل شهوته أو تزيد عليها بأضعاف مضاعفة ولا يذيقها لذة الوطء مرة واحدة ومن زعم أن هذا من المعروف كفاه طبعه في الرد عليه وقالت طائفة يجب عليه أن يطأها في كل أربعة أشهر وتخير المرأة بعد ذلك إن شاءت تقيم معه وإن شاءت تفارقه فلو كان لها حق في الوطء أكثر من ذلك لم يجعل للزوج تركه في تلك المدة وهو أمثل القولين مع ما فيه وقالت طائفة يجب عليه أن يطأها بالمعروف كما ينفق عليها ويكسوها ويعاشروها بالمعروف قالوا وعليه أن يشبعها وطأ إذا أمكنه كما عليه أن يشبعها قوتاً وكان ابن تميمة يرجح هذا القول ويختاره قال تلميذه ابن قيم الجوزية وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على استمعال هذا ورغب فيه وعلق عليه الأجر وجعله صدقة لفاعله فقال وفي بضع أحدكم صدقة ففي هذا كمال اللذة وكمال الإحسان وحصول الأجر وفرح النفس وذهاب أفكارها الرديئة عنها وخفة الروح وذهاب كثافتها وغلظها وخفة الجسم واعتدال المزاج وجلب الصحة ودفع المواد الردئية فإن صاف ذلك وجهاً حسناً وخلقاً دمثاً أي سهلاً وعشقاً وافراً ورغبة تامة واحتساء باللثواب فذلك اللذة التي لا يعادلها شيء ولا سيما إذا وافقت كمالها فإنها لا تكمل حتى يأخذ كل جزء من البدن بقسطه من اللذة فتلتذ العين بالنظر إلى المحبوب والأذن بسماع كلامه والأنف بشم رائحته والفم بتقبيله واليد بلمسه وتنعكف كل جارحة على ما تطلبه من لذاتها ويقابله المحبوب بنظير ذلك فإن فقد من ذلك شيء لم تزل النفس متطلعة إليه متقاضية له فلا تسكن كل السكون ولذلك تسمى المرأة سكناً لسكون النفس إليها ولذلك فضل جماع النهار على جماع الليل وله سبب آخر طبيعي وهو أن الليل وقت تبرد فيه الحواس وتطلب حظها من السكون والنهار محل انتشار الحركات فذلك قوله تعالى: " وهو الذي جعل لكم الليل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهار نشوراً " وكان محمد بن المنكدر يدعو في صلاته ويقول اللهم قوم لي ذكري فإن فيه صلاحاً لأهلي وقال عبد الله بن صالح كان الليث بن سعد إذا غشى أهله يقول اللهم شد لي أصله وارفع لي صدره وسهل على مدخله ومخرجه وارزقني لذته وهب لي ذرية صالحة تقتل في سبيلك قال وكان جهورياً فكان يسمع ذلك منه وقال علي بن عاصم حدثناً خالد الحذاء قال لما خلق الله آدم وخلق حواء قال يا آدم اسكن إلى زوجك فقالت حواء يا آدم ما أطيب هذا زدنا منه.

[الباب الثامن عشر]

[تعنت المعشوق]

[على الصب المشوق وغير ذلك من أقسام الهجر]

[وصبر القابض فيه على الجمر]

أقول هذا باب عقدناه لذكر الجني وقول المحبوب إليك عني فهو باب لمن مر به حلو المذاق عطر الخلاق بالاتفاق لا يعرف طعمه إلا من ذاقه وعرف وصل الحبيب وفرقه ولم تزل العشاق تستحلي تجني الحبيب وتقول:

ضرب الحبيب زبيب ... شرط المحبة عند أرباب الهوى

إن المليح على التجني يعشق لا يصدهم حد ولا يقفون من سيوف اللحاظ عند حد فكم رأوا جور الحبيب عدلاً وقالوا لخده إذا أقبل أهلاً وسهلاً لا يأخذهم فيه لومة لائم ولا يعدون جور بارد الظلم من المظالم:

من لم يذق ظلم الحبيب كظلمه ... حلواً فقد جهل المحبة وادعى

والعلم المشهور في هذا الباب قول عليه بنت المهدي:

جبل الحب على الجور فلو ... أنصف المحبوب فيه لسمج

ليس يستحسن في شرع الهوى ... عاشق يحسن تأليف الحجج

كأنها ذهبت في البيت الأول إلى قول العباس بن الأحنف:

وأحسن أيام الهوى يومك الذي ... تروع بالهجران فيه وبالعتب

إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضا ... فأين حلاوات الرسل والكتب

وقد زاد النميري على هذا فقال: راحتي في مقالة العذال.

وشفائي في قولهم لا تغال لا يطيب الهوى ولا يحسن الحب لصب لصب إلا بخمس خصال:

<<  <   >  >>